حظر الحج أداة ضمن مجموعة أوسع من السياسات المختلفة التي تستخدمها المملكة العربية السعودية من أجل عزل قطر واستنزافها اقتصادياً وانتهاك حقوق مواطنيها
المملكة العربية السعودية تنتهك المواثيق الموقعة عليها كالميثاق العربي والذي يكفل الحق في ممارسة الشعائر الدينية بحرية
حصار قطر أثر على عدة حقوق أساسية كحرية الحركة، والحق في الحياة الأسرية، وحرية التعبير، والحق في التعليم، والحق في الرعاية الصحية
عقدت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا برعاية النائب آندي سلوتر وزير العدل السابق في حكومة الظل ندوة في البرلمان البريطاني الأربعاء 25 يوليو/تموز 2018 بعنوان “الحج والحريات الدينية تحت الحصار” وعلاقته بالحقوق والحريات الدينية وحمايتها، وشارك في هذه الندوة عدد من الخبراء في القانون الدولي وهم البروفيسور جافيد رحمن، والمحامي الدولي آدم سميث أنطوني، والمحامية والمستشارة القانونية روشكانا بيرفين حق، والمحامية في القانون الدولي علياء ياماك أوغلو.
ركزت الندوة بشكل عام على الوضع الناتج عن القيود التي فرضتها المملكة العربية السعودية على مواطني كل من قطر وسوريا واليمن، وتم التركيز بشكل خاص على تناقض سياسة حكومة المملكة العربية السعودية ـ والتحالف الذي تقوده ـ مع القانوني الدولي فيما يتعلق بالحصار المفروض على قطر والتضييق على الحريات الدينية، كما تم استعراض الإجراءات المختلفة التي يمكن اتخاذها من قبل المجتمع الدولي لوقف انتهاكات حقوق الانسان من قبل ذلك التحالف.
أدارت الندوة المحامية إيميلي ويلسدون، والتي بدأت كلمتها بتوضيح حيثيات الوضع الحالي الناتج عن تصرف المملكة العربية السعودية بحظر الحج على مواطني دول “قطر وسوريا واليمن”، وأشارت أنه يجب أن يوضع هذا الحظر في إطار الحصار المفروض على قطر وأنه نتيجة له، موضحة أن ذلك الحصار المفروض من قبل السعودية والإمارات ومصر والبحرين على قطر، تتضمن بنوده حظر سفر المواطنين القطريين إلى البلدان المحاصِرة، أي حظر السفر لأداء فريضة الحج بطبيعة الحال.
وأوضحت إيميلي أن أسباب الحصار المفروض على قطر يمكن تلخيصها في أربع أسباب واتهامات أساسية بحسب التحالف الذي تقوده السعودية في ذلك الحصار، وهي: 1) دعم قطر لثورات الربيع العربي، 2) علاقة قطر بجماعة الإخوان المسلمين، 3) علاقة قطر بإيران، 4) ادعاء دعم قطر وتمويلها للجماعات الإرهابية داخل المنطقة.
وأضافت أن أسباب الحصار المذكورة توضح أن السياسة الخارجية لقطر هي السبب الرئيسي وراء ذلك الحصار الذي تسبب في انتهاكات السعودية لممارسة الشعائر الدينية بحرية، مؤكدة على أن حرمان أولئك المواطنين من الحج ليس سوى جزء من مجموعة من السياسات والآليات المختلفة التي تستخدمها السعودية من أجل عزل قطر واستنزافها اقتصادياَ وانتهاك حقوق مواطنيها.
تلى كلمة إيميلي كلمة البروفيسور جافيد رحمن -البروفيسور في القانون الإسلامي والقانون الدولي بجامعة برونيل-، وتحدث فيها عن قرار المملكة العربية السعودية بفرض حظر على بلد معين لتأدية فريضة الحج من الناحية القانونية.
بدأ جافيد كلمته بالإشارة إلى أن المملكة العربية السعودية كان لديها مشكلة دائمة في الالتزام بحماية الحريات الدينية واحترامها، خاصة منذ النص عليها في بعض مواد القانون الدولي، وقد ظهر هذا بوضوح في رفض السعودية أن تصبح طرفاً في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حيث بررت موقفها برفضها للمادة 18 المتعلقة بالحريات الدينية، وعلى الرغم من ذلك فإن المملكة طرف في معاهدات أخرى تحمي حقوق الحرية الدينية كالميثاق العربي والمادة 30 به تؤكد على الحريات الدينية.
وقال جافيد أن تلك المعاهدات والمواثيق، بالإضافة إلى مواثيق أخرى في القانون الدولي، تكفل الحق المطلق في حرية الفكر والمعتقد الديني، أو ما يعرف بالمعتقد الداخلي، وهو ما يرادف قدرة المسلم على ممارسة شريعة الحج في الإسلام، والذي هو أساس العقيدة الإسلامية ويشكل أحد أعمدة فرائضه الأساسية الخمسة، وأشار جافيد أن قرار السعودية بحرمان بعض الأشخاص من تأدية فريضة الحج يمثل انتهاكاً للمعتقد الداخلي وانتهاكاً لحقوق الفرد الدينية الأساسية.
بالإضافة إلى ذلك، أوضح جافيد أن المادة 18 فقرة 3 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان نص على الشروط التي يمكن فيها الحجر والتضييق على ممارسة الحقوق الدينية، كأن تكون هناك ضرورة صحية أو طبية، أو أن حظر الحج سيصب في صالح السلامة والأمن والنظام العامين، وهي شروط لم تتوفر أي منها في الحالات التي منعت فيها السعودية بعض الأفراد من الحج، بل لا يمكن تفسير تصرف السعودية إلا أنه تمييزاً واضحاً ضد أولئك الأفراد بسبب جنسيتهم وموطنهم.
بدوره تحدث المحامي آدم سميث عن الآثار المترتبة على حصار قطر من وجهة نظر قانونية، وكذلك تحدث عن الأدوات والآليات المتاحة من الناحية القانونية من أجل معالجة تلك الآثار والتي مست عدد من الحقوق الأساسية التي كفلها القانون الدولي، كالحق في حرية الحركة، والحق في الحياة الأسرية، وحرية التعبير، والحق في التعليم، والحق في الرعاية الصحية، وحرية الدين، حيث تمثلت الإجراءات المتخذة من قبل المملكة العربية السعودية وحلفائها في طرد المواطنين القطريين ومنع السفر من وإلى البلدان المحاصِرة، ومحاولة عزل البلاد اقتصادياً، ومنع إعادة لم شمل الأسر وتوفير العلاج الطبي.
وتحدث آدم عن بعض الآليات المتاحة على المستويين الدولي والمحلي التي من شأنها أن تحسن من الوضع وتحد من انتهاكات دول الحصار الجسيمة لحقوق الإنسان، فعلى الصعيد المحلي يمكن اللجوء إلى التفاوض أو الوساطة لطرح تلك المشكلات وسرد المطالب، وهو ما قامت به دولة الكويت التي بدأت حواراً مع السعودية، ولكن باءت تلك المحاولة بالفشل.
أما على الصعيد الدولي فأشار آدم إلى أنه يمكن استخدام محكمة العدل الدولية كوسيلة للفصل في تلك المظالم، وهو ما حدث بالفعل، حيث قضت محكمة العدل الدولية مؤخراً بعدم قانونية بعض الإجراءات التي اتخذتها دولة الإمارات العربية المتحدة ضد قطر، وهو قرار مهم وفعال من الناحية القانونية، إلا أنه لم يصبح نهائياً بعد.
ثم تحدثت المحامية والمستشارة القانونية “روشكانا بيرفين حق” عن الوضع المتعلق بالحظر السعودي المفروض على الحق في أداء فريضة الحج، وحللته من وجهة النظر الإعلامية، وأشارت أن الجانب الإعلامي ركز في المقام الأول على مسألة “حرية التعبير”.
وفي هذا الصدد أوضحت روشكانا أن إحدى العقبات الرئيسية في هذا الوضع، والتي تعتبر انتهاكاً للحق في التعبير، هو إمكانية تلقي المعلومات من قطر، فموقف التحالف الذي تقوده السعودية ضد شبكة الجزيرة الإخبارية، يجعل الصورة لا تصل كاملة إلى المواطنين، بل تبث إليهم من خلال وجهة نظر أحادية الجانب تعمل على تدعيم الموقف السعودي وبقية دول الحصار والتأكيد على رواية تلك الدول ونشرها.
وقد أكد هذا الطرح موقف محكمة العدل الدولية الأخير وقرارها لصالح قطر ضد ممارسات الإمارات معها، حيث أشارت المحكمة أن الإمارات مولت حملات على وسائل التواصل الاجتماعي، وعلى وسائل الإعلام بشكل عام، والتي تعمل على رسم صورة سلبية عن المواطنين القطريين، وساهمت بشكل كبير في إيصال حقائق مغلوطة بشأن دولة قطر.
وفي ختام الندوة تحدثت المحامية عليا ياماك أوغلو عن الحصار المفروض ضد قطر بشكل عام، وركزت بصورة خاصة على انتهاك الحقوق الدينية واعتبارها من أبرز انتهاكات الحصار.
وقالت عليا أن العقوبات المفروضة على قطر قد صدرت دون وجود أساس قانوني لتلك العقوبات، حيث أن الادعاءات المتضمنة في الخطاب السعودي لم يتم تدعيمها بأدلة مادية لإثبات صحتها، وبناء عليه فإن الآثار المترتبة على ذلك الحصار تشكل خطورة على الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية القطرية ما يتطلب إيجاد حل سريع وعاجل لهذا الحصار.
وأضافت عليا أن المشاكل الناتجة عن الإجراءات المتخذة ضد المواطنين القطريين وحرمانهم من السفر إلى المملكة العربية السعودية للحج أو لأي سبب آخر، لم تؤثر على القطريين وحسب، بل أثرت أيضاً على غير القطريين المقيمين في دولة قطر، وهو ما يتم تجاهله في كثير من الأحيان من المجتمع الدولي، حيث أثرت تلك القرارات على حق أولئك المقيمين في ممارسة شعائرهم الدينية بسهولة، بل واجهه الكثير من العقبات، أبرزها صعوبة السفر المباشر من قطر إلى السعودية، ما تسبب في زيادة تكاليف أداء فريضة الحج.
”إن المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا تعبر عن حيرتها أمام منع بلد بعينها من أداء فريضة الحج، خاصة وأن الإيمان والعقيدة هو أمر محوري وأساسي للهوية الفردية والجماعية، لذا فإن إجراءات تقييد الحريات الفردية في هذا الصدد تمثل انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان.
وتدعو المنظمة دول الحصار إلى إنهاء ذلك الحصار والعقوبات المترتبة عليه بشكل عاجل، خاصة في ظل عدم وجود أدلة واضحة أو مسوغات قانونية لاستمرار ذلك الحصار، وانتهاكه لحقوق الإنسان الأساسية.
كما تدعو المنظمة المجتمع الدولي إلى إعادة النظر في علاقته مع المملكة العربية السعودية ودول الحصار في ضوء عدم قانونية الإجراءات المتخذة ضد قطر والمواطنين القطريين.