لا يزال التعذيب ظاهرة منتشرة في معظم دول العالم على الرغم من مناهضته للطبيعة البشرية وحظره في القانون الدولي ووجود العديد من الاتفاقيات الدولية التي تنص على تجريمه ومعاقبة مرتكبيه، فأكثر من 90 دولة من دول العالم لا زالت تمارس التعذيب وسوء المعاملة داخل مقار الاحتجاز وخارجها، بما فيهم دول وقعت على اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة لعام 1984.
لا يمكن الوقوف على إحصاءات دقيقة لأعداد الأشخاص الذين يتعرضون للتعذيب في العالم، فاختلاف الجهات التي تقوم بالتعذيب ما بين جهات رسمية أو جماعات مسلحة غير رسمية، وضعف السلطة القضائية في أغلب تلك البلدان وفقدان الثقة في قدرتها على تحقيق العدالة والانتصاف القانوني للضحايا يصعب الوصول إلى عدد دقيق لضحايا تلك الجريمة، خاصة في ظل سطوة بعض الأنظمة القمعية وتضييقها على القائمين بتوثيق تلك الانتهاكات في التواصل مع ضحايا التعذيب، أو لتعرض بعض ضحايا التعذيب لتهديدات مباشرة من قبل الجهات التي عذبتهم بإعادة تعذيبهم أو اعتقالهم مرة أخرى في حالة الإفصاح عما حدث معهم فالشائع هو الإفلات من العقاب نتيجة ارتكاب هذه الجريمة الخطرة.
”نحو 100 ألف ضحية جديدة سنوياً في العالم تتردد على مراكز تأهيل ضحايا التعذيب، الذي بات يمارس بحرية شبه تامة من قبل أنظمة تلك الدول أو الميليشيات المختلفة، خاصة مع ضمان مرتكبي تلك الجريمة لإفلاتهم التام من العقاب، وإهدار كافة حقوق ضحايا التعذيب في ظل تنامي شعارات الحرب على الإرهاب عالميا والتي باتت الكلمة الأكثر استخداما من قبل الأنظمة القمعية لتبرير القتل والتعذيب والاختفاء القسري وكافة انتهاكات حقوق الإنسان.
العلاقات بين الدول الأعضاء في المجتمع الدولي والمبنية بشكل أساسي على المصالح السياسية والمنافع السبب الرئيس في تجاهل هذه الجريمة، فالواضح أن صناع القرار في العالم لم يتخذوا إجراءات حاسمة لوقف هذه الجريمة ومحاسية مرتكبيها، وعلى الرغم من وجود العديد من الاتفاقيات والمواثيق الدولية التي تحارب جريمة التعذيب وتدعو الدول إلى وقفه ومحاسبة مقترفيها وفق الصلاحية القضائية الدولية بغض النظر عن مكان وجنسية مرتكبها ووقف إمداد الأنظمة التي تمارس التعذيب بالأسلحة أو التعاون الأمني معها والذي قد يستخدم من قبل تلك الأنظمة في ارتكاب جرائم تعذيب إضافية، إلا أن تلك المواثق والمعاهدات تظل حبرا على ورق في ظل انعدام الإرادة الحقيقة من قبل المجتمع الدولي لتقليص ومنع تلك الجريمة.
”في هذا التفرير نسلط الضوء على أخطر الأنظمة التي تمارس الإعتقال التعسفي و التعذيب في الشرق الأوسط للقضاء على المعارضين السياسيين حيث دأبت هذه الأنظمة على تبرير جرائمها بحق المواطنين بما يسمونه مكافحة الإرهاب.