يواصل النظام المصري ارتكاب انتهاكاته بحق معتقلي الرأي، والتي أبرزها الإهمال الطبي المتعمد، وسوء ظروف الاحتجاز، الأمر الذي يؤدي إلى وقوع ضحايا في صفوفهم بين وقت وآخر.
وفي هذا السياق؛ توفي المعتقل السياسي جهاد عبدالغني محمد سليم، بعد معاناة مع مرض السرطان، وإهمال متعمد في رعايته الطبية.
وقبيل الإعلان عن وفاته؛ أطلقت أسرته استغاثة عاجلة بعد فقد الأمل في شفائه، نظراً لتدهور صحته بشكل متسارع، بعد إحالته منذ أربعة أيام إلى قسم الرعاية المركزة بالمركز الطبي في سجن بدر3.
ونُقل عن رفاق جهاد في الزنزانة ومحاميه، قبل نحو أسبوع، قولهم إنه أبدى أمنيته بأن يموت خارج السجن بالقرب من ابنه سيف (9 أعوام) وابنته حبيبة (14 عاماً) ليتمكن من رؤيتهما وملامستهما قبل وفاته.
وكان جهاد قد أطلق قبل شهور نداء استغاثة لإنقاذ حياته، بعدما تمكن منه مرض السرطان، وسط تعنت إدارة سجن أبو زعبل في السماح بحصوله على حقه في العلاج، وإجراء عملية جراحية مقررة من الأطباء، بعد فشل جلسات الكيماوي في الحد من آلامه المتصاعدة يوماً بعد يوم.
وقال “جهاد” في رسالة مسربة، إنه منذ أكثر من ثلاثة شهور؛ تحدد إجراء عملية جراحية لاستئصال الورم، الذي أصيب به داخل محبسه، منذ أكثر من سنة ونصف، لكن العملية لم تُجرَ، لتعنت الجهات المعنية دون ذكر الأسباب، ضمن مسلسل الانتهاكات الذي يتعرض لها منذ أن تم اعتقاله قبل نحو سبع سنوات، وضمه لقضية مسيسة حكم عليه فيها مؤخرًا بالسجن 15 عامًا، من محكمة لم تتوافر فيها أي معايير للتقاضي العادل.
وناشد جهاد كل من يهمه الأمر، بالتحرك من أجل الحصول على حقه في العلاج، وإجراء الجراحة اللازمة لحالته المتدهورة، والتي تهدد سلامة حياته.
وذكر أن الورم كان في بدايته، ورم بسيط في جزء من لسانه، لكنه مع الإهمال الطبي المتعمد الذي تعرض له، منذ أن كان يقبع بسجن الزقازيق العمومي، ساهم في تدهور حالته، حيث انتقل إلى اللسان كله، ومنه إلى الفم والحلق، ووصل إلى جزء من رأسه بشكل أصبح لا يتحمل معه الألم، الذي يجتمع عليه مع ما تعرض له من ظلم على مدار سنوات بعد اعتقاله في سبتمبر 2015.
وقال في استغاثته: “ساعدوني لوجه الله تعالى.. هذا نداء استغاثة إلى أي قلب رحيم في هذا البلد، فأنا اسمي جهاد عبدالغني محمد سليم، أعاني من مرض سرطان منذ أكثر من سنة ونصف، وأنا في السجن كان الورم في البداية عبارة عن ورم صغير في اللسان، حتى انتشر وأصبح الآن في كل لساني وفمي ورقبتي ورأسي”.
وأضاف: “فأنا الآن لا أستطيع الكلام ولا الأكل ولا شرب المياه.. الآن الورم يقفل البلعوم فلا أستطيع التنفس ولا البلع ولا السماع، فأنا أطلب الرحمة في زمن قلّت فيه الرحمة”.
وتابع: “أنا ادعو الله كثيرا بالموت، فما عدت أستطيع تحمل الألم”.
وأردف: “لقد قمت بأخذ أربع جرعات كيماوي، وتم تحديد عملية جراحية لي منذ أكثر من ثلاثة شهور، وحتى الآن لم يتم تحديد موعد العملية. والسرطان ينتشر، والألم يقتلني، وقد امتنعت هذه المستشفيات ثلاث مرات عن العملية، في معهد الأورام والقصر العيني ومعهد ناصر.. إذا كان في هذا البلد أناس بهم رحمة فليساعدني لوجه الله.. لا أريد إلا أن أجري العملية الجراحية.. لا أريد أموت هكذا”.
وأكدت أسرة جهاد مراراً أنها حررت عدد من البلاغات والتلغرافات لجهات عدة، بينها النائب العام المصري، ومصلحة السجون، للمطالبة بحقه في العلاج وإجراء الجراحة المقررة له، دون أدنى استجابة لشكواهم حتى الآن، رغم تدهور حالة “جهاد” بما يهدد سلامة حياته داخل محبسه.
والمعتقل الشاب جهاد عبد الغني من مركز أبو كبير يبلغ من العمر 33 عامًا، وتم اعتقاله تعسفيًا في 13 سبتمبر/أيلول 2015 وإخفاؤه قسريًا لما يزيد عن 30 يومًا تعرض خلالها لعمليات تعذيب قاسية للاعتراف بمزاعم لا صلة له بها، ومنذ اعتقاله تم إيداعه سجن الزقازيق العمومي، وبعد ذلك تم ترحيله إلى سجن أبو زعبل في ظروف احتجاز تتنافى مع أدنى معايير السلامة وصحة الإنسان، بما يهدد سلامة حياته، عدا عن تعريضه للإهمال الطبي المتعمد.
و”جهاد” أول حالة وفاة خلال شهر ديسمبر/كانون الأول الجاري، والوفاة 40 منذ بداية العام في مختلف السجون ومقار الاحتجاز المصرية.
وتشهد السجون المصرية ومراكز الاحتجاز ارتفاعاً مطرداً في أعداد الوفيات، فيما لا تسمح السلطات المصرية للجنة الصليب الأحمر بتفقد أوضاع السجون، حتى باتت السجون بمعزل تام عن أي رقابة، باستثناء النيابة العامة، التي لا تحقق بالأساس في جرائم التعذيب، بل أصبحت شريكاً في التستر على الجناة فيها.
وتجدر الإشارة إلى أن العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، ينص على أنه “ينبغي معاملة السجناء المحرومين من حريتهم بإنسانية، واحترام الكرامة الكامنة للشخصية الإنسانية”.