عقدت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا -الخميس 19 مايو/أيار 2022- ندوة لمناقشة السبل الممكنة للضغط على المحكمة الجنائية الدولية للتحرك بجدية لمحاسبة المسؤولين الإسرائيليين على جرائم الحرب التي ارتكبوها ضد الشعب الفلسطيني بكافة فئاته وأطيافه.
أدار الندوة، الباحث في ميدل إيست مونيتور نسيم أحمد، بمشاركة وحضور عدد من السياسيين والصحفيين والمحامين الدوليين، الذين بدورهم شددوا على ضرورة فتح تحقيقات جادة وشفافة في الجرائم والانتهاكات التي تُرتكب بصورة دورية ضد الفلسطينيين، منذ بداية الاحتلال قبل أكثر من سبعة عقود من الزمان، وحتى الآن لم يتم الانتصاف للضحايا أو محاسبة أي مسؤول.
افتتح الندوة السيد محمد جميل- مدير المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا، والذي ركز في كلمته على الالتزامات القانونية للمحكمة الجنائية الدولية تجاه الشعب الفلسطيني في مواجهة الجرائم الإسرائيلية شبه اليومية، مشيراً إلى أنه -حتى الآن- فشلت المحكمة الجنائية الدولية في التحقيق في هذه الجرائم.
ولفت إلى أنه بالرغم من الجرائم الخطيرة التي يتم ارتكابها ضد الفلسطينيين، لم يقم مكتب الادعاء العام في المحكمة الجنائية الدولية حتى اللحظة بما يلزم لملاحقة المشتبه بهم من جنود وضباط وساسة إسرائيليين.
وأضاف أن “الاحتلال الإسرائيلي كثف خلال الأيام الماضية هجماته، وكان آخرها مقتل الصحفية الفلسطينية البارزة شيرين أبو عاقلة، في خطوة تهدف إلى نشر الرعب بين الصحفيين حتى يمتنعوا عن نشر الحقيقة.
واختتم حديثه بالقول: “إن جرائم الحرب الإسرائيلية اليومية التي وثقتها تقارير دولية تترك ادعاء المحكمة الجنائية الدولية أمام خيارين: إما الاستمرار في تجاهل الجرائم في خطوة من شأنها تسييس المحكمة، أو التحقيق الفوري في الجرائم وملاحقة مرتكبيها قضائياً، وهو تحرك من شأنه أن يحقق العدالة”.
كما دعا المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان -والذي تم انتخابه لمدة تسع سنوات في يونيو/حزيران 2021- إلى الامتثال لالتزاماته القانونية وواجبه الأخلاقي لمحاكمة مرتكبي جرائم الحرب في فلسطين.
المتحدث الثاني كان الرئيس السابق للاتحاد الدولي للصحفيين فيليب لوروث، الذي تحدث عن المخاطر التي يواجهها الصحفيون الذين يغطون مناطق الصراع، لافتاً بشكل خاص إلى انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي ضد الصحفيين في فلسطين.
وأوضح لوروث أن هذه المخاطر ظهرت بصورة جلية مع مقتل شيرين أبو عاقلة، التي قُتلت بالرغم من ارتدائها السترة الصحفيين الواقية، مشيراً أن هذه الواقعة تثير تساؤلاً مهماً: هل حقاً إسرائيل دولة ديموقراطية كما تدعي؟
واستدرك حديثه قائلاً “الديموقراطية لا تتعلق بإجراء انتخابات حرة وحسب، هناك عوامل أخرى كاحترام حرية الصحافة على سبيل المثال”.
ولفت لوروث الانتباه إلى أن “بطاقات الصحافة الدولية الصادرة عن الاتحاد الدولي للصحفيين معترف بها من قبل جميع دول العالم تقريباً باستثناء إسرائيل”، مشيراً إلى أن واقعة مقتل شيرين أبو عاقلة المأساوية تمثل تحدياً لأنها تظهر بوضوح أن الحماية الممنوحة للمدنيين العاديين، الذين يمثلون أهدافًا غير مشروعة للقوات المسلحة، لا تكفي لحماية الصحفيين.
ونقل لوروث عن تقرير لليونسكو قوله إن تسعة من كل عشرة جرائم قتل للصحفيين تمر دون عقاب في العالم، قائلا إن مقتل شيرين أبو عاقلة على الأرجح- بكل أسف- لن يتم معاقبة المسؤولين عنه أيضاً.
في كلمته، ركز المحلل السياسي والأكاديمي الأمريكي البارز نورمان فينكلشتاين على حدود القانون، والتي تستخدم كسلاح أمام النضال من أجل تحقيق العدالة.
وأشار فينكلشتاين إلى أن استهداف الصحفيين والأطفال والمسعفين والمعاقين كان أسلوب عمل إسرائيل لفترة طويلة.
وتابع “عندما سمعت بوفاة شيرين أبو عاقلة، أول ما خطر في بالي هو تقرير مجلس حقوق الإنسان لعام 2018 الذي خلص إلى أن إسرائيل كانت تستهدف عن عمد الأطفال والمسعفين والصحفيين والمعاقين في حرب غزة… كان استهداف الصحفيين هو أسلوب عمل إسرائيل لفترة طويلة”.
وأشار إلى أن الفلسطينيين حققوا بالفعل العديد من الانتصارات البارزة على المستوى الدولي، لكن المشكلة هي عدم تحرك السلطة الفلسطينية لتفعيل هذه الانتصارات، بل على العكس “قامت بوضع ورقة النصر في الدرج ليتراكم عليها الغبار”.
وأوضح أن انتهاكات إسرائيل معروفة في العالم، على سبيل المثال منظمتي هيومن رايتس ووتش العفو الدولية، اللتان تمثلان الرأي العام الليبرالي العالمي، خلصتا في أكثر من تقرير إلى أن إسرائيل دولة فصل عنصري، مؤكداً أن هذه النتائج تعد انتصارات جيدة، لكن لم تستغلها السلطة الفلسطينية كما ينبغي.
الفلسطينية لينا أبو عاقلة -ابنة شقيق شيرين أبو عاقلة- حلت ضيفة على الندوة، والتي بدورها تحدثت عن الانتهاكات التي تعرضت لها العائلة من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي في أعقاب مقتل شيرين، سواء في الجنازة أو العزاء أو بعد ذلك.
وأشارت لينا إلى أن الاحتلال الإسرائيلي فرض قيوداً مشددة على العائلة منذ اليوم الأول لمقتل عمتها، مشيرة أنهم “طلبوا منا عدم عقد أي تجمعات أو رفع العلم الفلسطيني أو ترديد الهتافات السياسية”.
وأضافت “تم استدعاء والدي إلى مركز الشرطة، حيث طُلب منه السماح بعدد قليل سيحضرون الجنازة.. لكننا قلنا لهم إن هذه ليست جنازة شخصية، بل للأمة بأكملها، فمن المستحيل التحكم في عدد الحاضرين”.
وأضافت “يوم الجنازة كان صعبا للغاية، قوات الاحتلال منعت الكثير من الناس من الوصول إلى المستشفى الفرنسي، كما تم الهجوم على المعزين، هناك مقاطع فيديو واضحة تظهر كيف هاجمونا بوحشية.. كان المعزين عزلاً في مقابل عدد كبير من القوات المسلحة بالهراوات والقنابل الصوتية”.
وتابعت “لقد هاجموا المستشفى أيضاً… كان المشهد برمته بربرياً.. كان شيئاً لم أشهده من قبل ولم أعتقد مطلقًا أنني قد أمر بهذه التجربة، خاصة أنها جنازة… شعرت أننا في منطقة حرب.”
وقالت لينا مستنكرة ما حدث مع العائلة والمعزين “إذا حدث هذا في بلد مختلف، فكيف سيكون رد فعل الناس؟ لهذا السبب نطلب من المجتمع الدولي والاتحاد الأوروبي الضغط من أجل تحقيق شفاف ومستقل لمحاسبة الإسرائيليين”.
واختتمت لينا كلمتها بتجديد رفض عائلتها للمطالب الإسرائيلية بالانضمام إلى التحقيق في مقتل شيرين أبو عاقلة، حيث قالت “لا نريدهم أن يكونوا جزءًا من التحقيق لأنك لا تستطيع أن تكون القاتل والمحقق في نفس الوقت”.
في حديثه، ناقش المحامي والأكاديمي الفرنسي جيل دوفير سبل الانتصاف القانوني أمام المحكمة الجنائية الدولية، مشدداً على أن مقتل شيرين أبو عاقلة تعتبر جريمة مركبة، من جهة، هي حادثة اغتيال بحسب المحكمة الجنائية الدولية، ومن جهة أخرى هي جريمة ضد الإنسانية وفق تعريفات نظام روما الأساسي.
وأضاف “علينا التوجه في أسرع وقت إلى المحكمة الجنائية الدولية مع ملفين: جريمة الاغتيال والجريمة التي ارتكبت ضد الكرامة في الجنازة”.
وأشار جيل دوفير إلى أن الهجوم على الجنازة نُفذ في القدس، وهي جزء من الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وتابع “الدولة الفلسطينية في وضع جيد مع القانون الدولي وتحترم المحكمة الجنائية الدولية. من ناحية أخرى، لا تحترم إسرائيل القوانين والقرارات الدولية وتشن هجومًا شرسًا على أعضاء المحكمة الجنائية الدولية”.
في ذات السياق، أشاد دوفير بقرار عائلة أبو عاقلة قبول تشريح الجثة، قائلاً إنه “قرار صائب لمحاكمة المتورطين في الجريمة”.
من جهته، تطرق المحلل المتخصص في شؤون الشرق الأوسط الهولندي الفلسطيني معين رباني إلى سياسة الإفلات من العقاب الإسرائيلية وأثرها على جنود الاحتلال.
وأشار رباني إلى أن “مقتل شيرين أبو عاقلة سلط الضوء على وحشية الاحتلال الإسرائيلي”، مضيفاً أن “المحكمة الجنائية الدولية قدمت أملاً جديداً في أن تُعامل جرائم الحرب الإسرائيلية بالجدية التي تستحقها منذ فترة طويلة”.
وتابع أن كلا من المحاكم وضحايا جرائم الحرب الإسرائيلية والجرائم ضد الإنسانية تعرضوا لضغوط غربية هائلة لعرقلة التقدم في هذا الملف، مشدداً على أنه على القوى الغربية التوقف عن عرقلة عمل المحكمة الجنائية الدولية.
كما تحدث رباني عن الدور المتخاذل الذي يقوم به كريم خان تجاه الانتصاف للضحايا الفلسطينيين، قائلاً إن “المدعي الجديد للمحكمة الجنائية الدولية أساء إلى ذكرى أجداده وتاريخهم المشرف، القاضي ورجل الدولة الدبلوماسي الباكستاني الراحل محمد ظفر الله خان”.
ولفت إلى أحد تصريحات خان الأولى كمدعي عام، حيث قال “أشار كريم خان إلى أنه سيعطي الأولوية للقضايا التي يحيلها مجلس الأمن الدولي إلى المحكمة الجنائية الدولية… وكانت هذه إشارة لا لبس فيها لإسرائيل والولايات المتحدة وحلفائها لتهدئتهم، لأنه لم يكن ينوي المضي قدما في التحقيق في الوضع في فلسطين “.
وأشار إلى ازدواجية خان في التعامل مع القضايا العالمية، حيث قال “استغرق الأمر أياماً فقط لإعلان خان أوكرانيا مسرحاً للحرب، وسافر على الفور إلى هناك شخصيًا لبدء تحقيق جديد أمام المحكمة الجنائية الدولية في الوضع هناك… لكن فيما يتعلق بالوضع في فلسطين، لم يفعل وسيستمر في عدم فعل أي شيء”.
واختتمت الندوة بكلمة من الصحفي المخضرم، محرر آراب ديجست ومحلل شؤون الخليج السابق في BBC، بيل لو، والذي سلط الضوء في كلمته على المخاطر التي تواجه الصحفيين في الأراضي المحتلة ووسائل الحماية الحالية وآليات التعويض.
وقال لو “الصحفيون يتعرضون لخطرين أساسيين، الأول: مواجهة الموت في أي لحظة، والثاني: الخضوع لرقابة دائمة ومستمرة”.
وأضاف “يتحتم علينا في الغرب واجب بذل المزيد من أجل حماية حرية التعبير”، متابعاً “نحن بحاجة لنشر ما يحدث… نحن بحاجة إلى التحدث بشكل أكثر فاعلية… نحتاج إلى التحدث بصوت عالٍ… كصحفي، أشعر بحزن عميق لعدد الصحفيين الذين لقوا حتفهم أو أصيبوا أثناء تأدية واجبهم المهني”.