نظمت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا -الخميس 07 أبريل/نيسان- ندوة افتراضية حول تصاعد استخدام النظام المصري عمليات الإعدام كسلاح ضد المعارضة السياسية وسط موقف سلبي من المجتمع الدولي الذي يقدم له دعم مالي ودبلوماسي.
شارك في الندوة عدد من الخبراء والحقوقيون والدبلوماسيون الدوليون، من بينهم عضو البرلمان الإيطالي ماسيمو أنغارو، ومساعد المدعي العام الأمريكي السابق بروس فين، والدكتورة مها عزام رئيس منظمة “مصريون من أجل الديمقراطية”، وأستاذ العلوم السياسية والشؤون الدولية في جامعة كلية الخدمة الدولية بالجامعة الأمريكية ويليام لورانس، وأستاذ العلوم السياسية في جامعة لونغ آيلاند داليا فهمي.
المتحدثون ناقشوا التوسع المروع في استخدام عمليات الإعدام من قبل نظام السيسي، كما سلطوا الضوء على الأسباب الكامنة وراء تنامي مثل هذا القمع وما يمكن للحكومات والمؤسسات الدولية ونشطاء حقوق الإنسان فعله لوضع حد لهذه الانتهاكات.
قام بتقديم الندوة نسيم أحمد، الباحث في موقع ميدل إيست مونيتور، والذي أشار في كلمته إلى “حجم الصدمة الكارثي” لرؤية “انزلاق مصر نحو القمع والاستبداد بهذه الصورة” منذ عام 2013.
وأوضح أنه “على مدى السنوات الثماني الماضية على وجه الخصوص، شهدنا ارتفاعاً شديداً في عدد من تم إعدامهم من المعارضين، مع عدم وجود أي علامة على تحسن هذا الوضع بأي صورة… تعد مصر الآن من بين أسوأ البلدان من حيث عمليات الإعدام حول العالم “.
وأضاف أحمد أنه على عكس الصين وإيران، اللتين تعدمان أيضاً أعداداً ضخمة من المعارضين كل عام، تُعد مصر حليفاً رئيسياً للولايات المتحدة، مما يجعل النظام يتصرف بثقة أنه لن يتعرض للمساءلة.
في كلمته، أشار ماسيمو أنغارو، عضو البرلمان الإيطالي عن حزب Italia Viva، إلى أن انتهاكات حقوق الإنسان في مصر تحدث بوتيرة أسرع مما كانت عليه في عهد الديكتاتور السابق حسني مبارك، الأمر الذي دفع السياسيين الإيطاليين للتحرك -حسبما أوضح-، موضحاً أن هذه التحركات أسفرت عن إصدار “أربعة قرارات على الأقل في البرلمان الأوروبي تدين مصر”.
وأضاف أن “مصر حليف مهم للدول الغربية”، لكن “هذا لا ينبغي بأي حال من الأحوال أن يعفينا من إدانة انتهاكات النظام”.
تحدث أنغارو أيضاً عن الحاجة إلى إيجاد طرق يمكن من خلالها للسياسيين الأوروبيين معاقبة نظام السيسي دون الإضرار بشعب مصر، الذين هم أنفسهم ضحايا ديكتاتوريته العسكرية، مشيراً إلى أن “هذا هو سبب قيام إيطاليا بإيقاف السفير الإيطالي لدى مصر لمدة عام ونصف”.
واختتم أنغارو كلمته مؤكداً أن الساسة الأوروبيين بحاجة إلى فعل المزيد لوقف هذه الانتهاكات، مبيناً أن “المفوضية الأوروبية ناقشت هذه المسألة لكنها لم تقدم أي قرارات أو مبادرات عملية”.
أما المساعد السابق للمدعي العام الأمريكي بروس فين، بدأ حديثه بالإشارة إلى كيف أن المجتمع الدولي، بشكل عام، يعارض عقوبة الإعدام وفي معرض توضيحه لهذه النقطة، أشار إلى أن “المحكمة الجنائية الدولية نفسها، التي تنظر في أبشع الجرائم بما في ذلك الإبادة الجماعية، ليس لديها الإعدام كعقوبة”.
وأضاف: “في حالة السيسي، يجب التدقيق في أحكام الإعدام والمحاكمات الصورية التي تتم في مصر بصورة أكبر في محاولة للحصول على العدالة”.
وأكد بروس فين أن الطريق الأكثر ترجيحاً لتحقيق العدالة ومعاقبة السيسي هو المحكمة الجنائية الدولية.
وتابع “من الواضح تماماً أن السيسي قرر القضاء على جميع المعارضين المنتقدين وسحقهم وتدميرهم…. الرأي السياسي، في رأيه، هو معيار مقبول لحرمان شخص ما من أي حق من حقوق الإنسان بما في ذلك الحق في الحياة… هذا النوع من العنف الشامل، والقمع المطبق هو جريمة ضد الإنسانية في حد ذاتها بموجب المادة 7 من المحكمة الجنائية الدولية”.
من جانبها، شددت الدكتورة مها عزام على أهمية عقد لقاءات وندوات مثل هذه الندوة مع شخصيات ومسؤولين من خارج مصر، بسبب المستويات المروعة للقمع ضد أي شخص يجرؤ على الحديث والتعبير عن رأيه داخل مصر نفسها.
وتابعت: “نحتاج إلى وقف تنفيذ أحكام الإعدام بسبب غياب سيادة القانون في مصر”، مضيفة أن “السيسي رسم طريقه إلى السلطة باستخدام الدبابة في انقلاب 2013″، قائلة “لقد سرق التجربة الديمقراطية الوليدة في مصر”.
وأكدت عزام أن استخدام عقوبة الإعدام والتوسع فيها كان جزءا من حملة أوسع لإسكات المعارضة للديكتاتورية العسكرية الحالية، مضيفة: “السياق السياسي هو سياق انقلاب عسكري على عملية ديمقراطية لم تستمر أكثر من عام قبل أن يتدخل الجيش مرة أخرى للحفاظ على سلطته وامتيازاته التي يمارسها منذ عام 1952”.
وأضافت “ربما يكون نظام السيسي أحد أسوأ الأنظمة الديكتاتورية الذين شهدتهم مصر على الإطلاق، وهو مدعوم من الغرب والقوى الإقليمية، ما يسمح له بالاستمرار”.
وأشارت عزام إلى دور الغرب في دعم نظام السيسي القمعي، قائلة “أؤكد هنا أن العالم الخارجي، ولا سيما الولايات المتحدة والحكومات الديمقراطية، تمكن هذا الديكتاتور حتى لا يستطيع الشعب المصري التحرك”.
وتابعت “لا يقتصر الأمر على تقويض حركة المصريين، وعدم قدرتهم على التنفس… بل أصبحت مصر الآن جمهورية الخوف، والمصريون اليوم خائفون في كل خطوة يقومون بها… كل شخص يرفع صوته يعلم أن هناك ثمناً باهظاً يجب دفعه، سواء كان ممثلاً، سواء كان صحفيًا، أو عاملًا، أو حتى قاضياً “.
من ناحية أخرى، أوضحت عزام أن الجيش يسيطر الآن على قطاعات كبيرة من الاقتصاد، وبالتالي يمكن للحكومات الغربية استخدام العقوبات لمعاقبتها.
وتابعت “هناك أنواع مختلفة من العقوبات حتى لا يتم التعامل مع جنرالاته وزمرة من أنصاره ووزرائه لردعه عن اتخاذ مزيد من الإجراءات ضد الشعب المصري… ما لم يتم تنفيذ أي عقوبات، أؤكد، وسيسجل التاريخ ذلك، أن كلاً من الولايات المتحدة والقوى الديمقراطية لا تساعد في تمكين السيسي فحسب، بل هي متواطئة معه في قتل وتعذيب المصريين”.
اتفق ويليام لورانس، أستاذ العلوم السياسية والشؤون الدولية في كلية الخدمة الدولية بالجامعة الأمريكية، مع من تحدثوا قبله، مشيراً إلى خيبة أمله من عدم وجود تصدي دولي لانتهاكات النظام المصري.
وقال لورانس “الوضع في مصر مريع…موقف المجتمع الدولي ضعيف وعاجز، وهناك الكثير الذي يتعين القيام به”.
تحدث لورانس عن مشاكل استخدام المحكمة الجنائية الدولية كأداة لهزيمة السيسي، مضيفاً “نحن بحاجة إلى إعادة ترتيب وإعادة التفكير في آليات المجتمع الدولي، والذي لم يتم إنشاؤها واستخدامها بشكل صحيح -حتى الآن- لمعالجة هذه الأنواع من القضايا”.
فيما يتعلق بالموقف الأمريكي، أوضح لورانس أن حجب 130 مليون دولار من المساعدات لأسباب تتعلق بحقوق الإنسان في يناير/كانون الثاني لا بأس به، مشيراً إلى أنه مادامت هذه الخطوة إجراء تكرهه الحكومة المصرية فهو أمر جيد، لكن ليس كافياً.
وتابع لورانس “تحدد اتفاقيات كامب ديفيد مستويات المساعدة الأمريكية لمصر، ولكن هناك الكثير الذي يمكن القيام به من خلال الكونغرس لحجب مبالغ أكبر لفترات أطول للتسبب في مزيد من الضغط وتعكير صفو الحكومة في القاهرة بصورة أكبر”.
وأضاف: “لا أعتقد أن الضغط لإثارة القضية المصرية كان قويا بما فيه الكفاية… يجب أن تكون هناك تكلفة على حكومة الولايات المتحدة، وتكلفة على الأمم المتحدة، وتكلفة على دول الخليج، يجب أن يدفع النظام المصري ثمن هذه الأخطاء من سمعته السياسية والدبلوماسية والاقتصادية”.
وأضاف لورانس أن مشكلة عقوبة الإعدام في أي مجتمع هي أنه “في معظم الحالات، حتى في المجتمعات الديمقراطية، يساء تطبيقها… في سياق مثل ما يحدث في مصر، تُعد عقوبة الإعدام مسيسة وتعسفية، ووحشية وجريمة حرب.. إن كانت عقوبة الإعدام مشكلة في أي مجتمع، فإنها في مصر مشكلة بمعدل عشر أضعاف أكثر”.
أما الدكتورة داليا فهمي، الأستاذة المساعدة في العلوم السياسية بجامعة لونغ آيلاند، قدمت من خلال كلمتها تقييماً عاطفياً وصادماً للوضع الحالي في مصر.
بدأت حديثها بدعوة لضرورة إنقاذ الوضع بأسرع وقت، مضيفة أن “عمليات الإعدام في الوقت الحالي تُنفذ لقمع النشاط السياسي أو ما يمكن أن يكون نشاطًا اجتماعيًا”.
وأشارت فهمي إلى أن هناك حاليًا ما بين 60 إلى 80 ألف سجين سياسي في مصر، واضطر النظام “لبناء ما بين 16 و 23 سجنًا جديدًا للتعامل مع عددهم الضخم”.
كما تحدثت عن الصعوبات في معرفة عدد الأشخاص الذين أعدمهم النظام، قائلة “لقد تم تنفيذ ما لا يقل عن 521 عملية إعدام نعرفها، ووفقًا للأرقام، يمكن أن يكون هذا أكثر من ذلك، بالإضافة إلى عمليات قتل حدثت خارج نطاق القضاء “.
وأضافت فهمي أن “التغييرات التي أدخلها نظام السيسي على القانون والدستور أدت إلى توسيع نطاق أولئك المعرضين لخطر الإعدام بتهمة “الإرهاب”.
وتابعت “التشهير بالدولة عقوبة من اختصاص قانون الإرهاب… إذا كان لديك ما بين 4-5000 متابع على موقع تويتر، فسيتم اعتبارك مؤثرًا على وسائل التواصل الاجتماعي، أو منصة إخبارية، إذا صح التعبير… وبالتالي، إذا قلت شيئًا ما خارج رواية الدولة، فيمكن أن يتم احتجازك ومحاكمتك بموجب قانون الإرهاب، وبالطبع ستكون عرضة لأحكام هذا القانون القاسية “.
وقالت فهمي إن المحاكمات الجماعية التي تمت في مصر كانت غير شرعية وصممها النظام لترويع المواطنين وإجبارهم على الطاعة، مضيفة “هذه المحاكمات التي أدت إلى أحكام بالإعدام وعمليات نُذ بعضها بالفعل، نعلم جميعًا أنها كانت محاكمات صورية”.
وأوضحت “يتم اتهام 90 شخصًا على سبيل المثال للاشتراك في قتل فرد واحد ثم محاكمتهم والمطالبة بإعدامهم دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة… هناك أفراد يُحاكمون في قضايا كانوا داخل السجن بالفعل عند وقوع الجريمة محل الاتهام “.
وتابعت: “إن ثقافة وحالة الخوف التي نشأت في مصر لا تشبه أي شيء رأيناه في الماضي… لم يعد الحديث عن التحول الديمقراطي في جميع أنحاء العالم يدور حول الحكم الرشيد، والشفافية وحقوق الإنسان والمساءلة، الأمر ببساطة يتعلق بعدم القتل مع ضمان الإفلات من العقاب”