عقدت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا مساء الأربعاء 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 ندوة بعنوان “ما هي الإجراءات المطلوبة لوقف الإبادة الجماعية في غزة؟” لبحث الحلول القانونية الممكنة لمعالجة الجرائم المرتكبة ضد المدنيين في غزة وإحالة المسؤولين الإسرائيليين المتورطين في هذه الجرائم والفظاعات.
أدارت الندوة الناشطة إنسيا رجا، بحضور نخبة من الخبراء القانونيين لمناقشة الوضع الحرج والمستمر في غزة، وهم: د. رالف وايلد – أكاديمي وخبير في القانون الدولي العام، وتريستينو مارينيلو – أستاذ القانون في جامعة ليفربول جون موريس وعضو الفريق القانوني لضحايا غزة أمام الجنائية الدولية، وسارة إليزابيث ديل – شريك مؤسسة أنتوم جلوبال للمحاماة متخصصة في القانون الدولي الجنائي، وبروس فاين– أستاذ القانون الدولي ومساعد وزير العدل الأمريكي السابق، وديالا شحادة- المحامية السابقة بالمحكمة الجنائية الدولية، وغابرييل صوما– أستاذ القانون الدولي وعضو المجلس الاستشاري للرئيس دونالد ترامب، وبروس دا لفال – المحامي والمختص في القانون الدولي والدستوري.
خلال كلمته، تحدث الدكتور رالف وايلد، بصفته الشخصية، عن الرأي القانوني الذي قدمه للمنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا حول الواجبات والعواقب القانونية المترتبة على الدول الثالثة فيما يتعلق بالإجراءات الإسرائيلية في قطاع غزة.
شدد وايلد على ضرورة التأكيد على عدم شرعية تصرفات إسرائيل في قطاع غزة، والتي تشكل جزءًا من الاستخدام غير القانوني طويل الأمد للقوة منذ عام 1967، مضيفًا أن العمليات الإسرائيلية الحالية، بما في ذلك القصف الجوي والغزو البري، تنتهك القانون الإنساني الدولي وتشكل جرائم حرب وفصل وتمييز عنصري.
وقال وايلد إن إسرائيل ملزمة بالتوقف الفوري عن استخدامها غير القانوني للقوة، الأمر الذي يستلزم وقف إطلاق النار والإنهاء الكامل للحصار المفروض بالقوة على قطاع غزة. وأشار كذلك إلى أن الدول الأخرى متورطة قانونيا في الانتهاكات التي ترتكبها إسرائيل بسبب القوانين الدولية الأساسية المتعلقة بالعدوان وتقرير المصير والفصل العنصري والإبادة الجماعية.
كما شدد وايلد على الالتزامات القانونية للدول وواجبهم بعدم الاعتراف أو المساعدة في استخدام إسرائيل للقوة، فضلًا عن واجبهم اتخاذ خطوات فعالة لإنهاء الوضع غير القانوني، بما في ذلك دعم القضايا الدولية ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية.
في مداخلته، ناقش البروفيسور تريستينو مارينييلو التأثير الشديد للحصار الإسرائيلي على غزة، والذي دام أكثر من 16 عامًا. وأشار إلى أن هذا الحصار أدى إلى تقييد شديد للحركة وانتهاك للحقوق الأساسية لنحو 2 مليون شخص، وحاصرهم في منطقة مساحتها 365 كيلومترا مربعا.
وشدد مارينييلو على أن تأثير الحصار على الظروف المعيشية وحقوق الإنسان الأساسية في غزة قد تم توثيقه على نطاق واسع، مما يسلط الضوء على أزمة إنسانية ذات أبعاد هائلة.
وأشار مارينييلو إلى أن الأمم المتحدة ومختلف منظمات حقوق الإنسان أدانت مرارا وتكرارا الظروف المعيشية في غزة باعتبارها غير مستدامة وغير مقبولة. ووصف الوضع، الذي تفاقم بسبب الحصار الإسرائيلي، بأنه كارثة إنسانية خطيرة حيث يعاني السكان المدنيون من مصاعب غير متناسبة بسبب الأعمال التي ترتكبها قوى خارجية.
علاوة على ذلك، ذكر مارينييلو أن التحليل الدولي قد توصل إلى أن الحصار الإسرائيلي والظروف الناتجة عنه في قطاع غزة ترقى إلى مستوى الفصل العنصري، وهو انتهاك خطير للقانون الدولي، وجريمة ضد الإنسانية، مشيرًا إلى أن الحرمان المتعمد للموارد والخدمات من قبل الجيش الإسرائيلي، والذي دمر نظام الرعاية الصحية في غزة وخلق ظروف معيشية لا تطاق.
وذكر مارينييلو أيضًا أن القادة السياسيين والعسكريين الإسرائيليين أظهروا نية واضحة للإبادة الجماعية تجاه السكان الفلسطينيين في غزة، مما قد يشكل أعمال إبادة جماعية على النحو المحدد بموجب القانون الدولي.
كما أوضح أن المحكمة الجنائية الدولية لم تتصد أبدًا لمناخ الإفلات من العقاب الذي تتمتع به القوات الإسرائيلية، بل ساهمت في تعزيزه مما أدى إلى استمرار الانتهاكات الجسيمة المرتكبة من قبل تلك القوات ضد الفلسطينيين.
وأضاف أن إخفاق المحكمة الجنائية الدولية في معالجة الجرائم الدولية في فلسطين يتناقض مع استجابتها السريعة لمواقف مشابهة في دول أخرى مثل أوكرانيا، وهو رد فعل يظهر ازدواجية المعايير لدى المحكمة.
ولفت إلى أنه منذ تعيين المدعي العام الجديد كريم خان، ظلت المحكمة الجنائية الدولية مترددة في إجراء تحقيق فعال في الوضع في فلسطين، كما إن النهج الذي تتبناه المحكمة الجنائية الدولية في التعامل مع فلسطين، والذي يتسم بالمعايير المزدوجة والانتقائية، يقوض شرعيتها ومصداقيتها.
تحدثت المحامية البريطانية سارة إليزابيث ديل عن الحاجة إلى حلول فعالة للصراعات مثل تلك الموجودة في غزة تتطلب اتباع نهج فعال يعود بالنفع الحقيقي على المجتمعات المتضررة، مشيرة إلى إن الاعتماد فقط على المحاكم التي أنشأها الغرب قد لا يوفر دائمًا المساءلة الحقيقية والدائمة والمصالحة المطلوبة في هذه المناطق.
وأضافت أنه لكي تكون المساءلة مجدية وفعالة في مناطق النزاع، يجب أن تنبع من المبادرات الشعبية، مشددة على أنه من الضروري معالجة احتياجات الأشخاص المتأثرين بشكل مباشر بالنزاع، مثل الاهتمام بالصحة النفسية لهم، ومضيفة أن أزمة الصحة النفسية المستمرة في مناطق النزاع مثل غزة، حيث نشأ الأطفال في ظل صراع مستمر، هي مسألة ضرورية ومهمة تتطلب اهتماما فوريا، إذ إن تلبية احتياجات الصحة النفسية أمر حيوي لا يقل أهمية عن التعامل مع تداعيات الصحة الجسدية.
وبينت أن هذا الصراع كشف عن اتجاه مثير للقلق يتجاوز نطاقه المباشر، يتعلق بحرية التعبير في المجتمعات الأخرى حين يتعلق الأمر بمناقشة ما يحدث في غزة. يتم إسكات الصحفيين والأكاديميين، لقد تعرض الكثير من الأشخاص لخطر خسارة وظائفهم لمجرد التعبير عن آرائهم حول هذه المسألة.
وضربت مثال على ذلك بكلية الحقوق التي تعمل بها، والتي حظرت مؤخرًا عبارة من النهر إلى البحر، ولم تقف إلى جانب طلاب القانون الذين تعرضوا لأضرار بسبب مناصرتهم لحقوق الإنسان ومطالبتهم بوقف إطلاق النار.
وقالت إن هذا الاستخدام المتزايد للعقوبات -حين يحاول المرء التعبير عن رأيه السياسي- يثير “تساؤلات جدية حول ما يتم التسامح معه في مجتمعنا والحاجة إلى إعادة تقييم كيفية تنفيذ القوانين أو انتهاكها، لا سيما في سياق حماية حرية التعبير”.
ديالا شحادة ناقشت الخطوة المهمة المتمثلة في اعتراف الجمعية العامة للأمم المتحدة بفلسطين كدولة مراقبة في عام 2012، مؤكدة أحقيتها في الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية، كما وشددت على أهمية ذلك في معالجة الجرائم المرتكبة في فلسطين، خاصة في ضوء تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية في مناطق أخرى مثل أفغانستان وأوكرانيا والفلبين.
وأشارت شحادة إلى أن المحكمة الجنائية الدولية، على الرغم من كونها حديثة العهد وتحت ضغط سياسي، تمتلك القدرة على معالجة الجرائم في فلسطين. وسلطت الضوء على الحاجة إلى جهود ضغط أقوى من قبل الدول الأطراف لدفع المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية إلى المضي قدمًا في التحقيقات التي بدأت في مارس/آذار 2021.
كما دعت شحادة إلى إصدار أوامر اعتقال ضد كبار المسؤولين الإسرائيليين، بما في ذلك رئيس الوزراء ووزير الدفاع، بسبب تصريحاتهم التي تظهر العنصرية. ونية الإبادة الجماعية.
وتطرقت إلى أهمية المحكمة الجنائية الدولية في التعامل مع الجرائم الدولية بشكل عام، وتحديدا تلك المرتكبة في فلسطين.
وأشارت شحادة إلى طبيعة الجرائم التي ترتكب في فلسطين، خاصة خلال العمليات العسكرية، والتي صنفتها ضمن جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب. كما أكدت على استمرار عدم امتثال إسرائيل لقرارات الأمن الدولي منذ عام 1967 وتجاهلها لقرارات محكمة العدل الدولية، واصفة إسرائيل بالنظام الخارج عن القانون.
السياسي الأمريكي بروس فين قدم رؤى حول طبيعة القانون الدولي، الذي وصفه بأنه يظهر في كثير من الأحيان كالشبح، ويتأثر إلى حد كبير بالقوى التي تسود في الصراع.
وأشار إلى المنظور التاريخي لثوسيديدس، مسلطًا الضوء على الواقع حيث تملي القوى القوية شروط العدالة والشرعية.
كما ناقش فين التطبيق الانتقائي للقانون الدولي، باستخدام أمثلة مثل تورط الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية ومحاكم جرائم الحرب اللاحقة.
وشدد فين على التحديات التي تواجهها المحكمة الجنائية الدولية في شبابها وتحت الضغوط السياسية، مما يؤثر على قدرتها على التصدي بشكل فعال للجرائم، بما في ذلك تلك المرتكبة في فلسطين. وأشار إلى تواطؤ الولايات المتحدة في انتهاكات القانون الدولي، وخاصة في دعمها غير المشروط لإسرائيل، الأمر الذي قد يورط الولايات المتحدة كطرف محارب في أعمال ضد الفلسطينيين.
وشدد فين على استبعاد فكرة محاسبة الدول القوية أمام المحاكم الدولية، على الرغم من وجود أدلة على التواطؤ في أعمال مثل الإبادة الجماعية، مسلطًا الضوء على إحجام الدول عن تحدي إسرائيل والولايات المتحدة في محكمة العدل الدولية، مما يعكس الخوف من الانتقام والسياسة الواقعية التي تحكم العلاقات الدولية.
واختتم فين حديثه بالتعليق على الواقع المثير للقلق المتمثل في القانون الدولي، والذي يعكس في كثير من الأحيان هياكل القوة في العالم أكثر من تطلعاته الأخلاقية.