يتواصل في مدينة الفاشر غربي السودان مشهد مأساوي يعكس عمق الانهيار الإنساني في البلاد، بعد أن اجتاحت قوات “الدعم السريع” المدينة وارتكبت مجازر دامية بحق المدنيين، ما أجبر آلاف العائلات على الفرار في ظروف قاسية تفتقر إلى الحد الأدنى من الأمان والمأوى والرعاية.
وقالت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إن “أعمال عنف وحشية في الفاشر أجبرت الآلاف على الفرار”، مشيرة إلى أن “العائلات بحاجة ماسة إلى المأوى والحماية والرعاية”، فيما تعاني فرق الإغاثة من صعوبات ميدانية حادة في الوصول إلى المحتاجين بسبب استمرار المعارك وتدهور الموارد.
وأسفر الهجوم الذي شنّته “قوات الدعم السريع” أواخر أكتوبر الماضي على المدينة، عن مقتل وإصابة المئات من المدنيين وفق تقارير محلية ودولية، وسط عمليات نهبٍ واعتداءاتٍ عشوائية على الأحياء السكنية ومراكز الإيواء. ومع سيطرة “الدعم السريع” على الفاشر، أصبحت تهيمن على كامل ولايات دارفور الخمس، في حين يحتفظ الجيش السوداني بسيطرته على بقية ولايات البلاد.
وتمثل هذه الأحداث انتهاكاً صارخاً لقواعد القانون الدولي الإنساني، ولا سيما المواد (3) المشتركة من اتفاقيات جنيف الأربع، التي تُلزم جميع أطراف النزاع الداخلي بحماية المدنيين وضمان معاملتهم معاملة إنسانية في جميع الأحوال.
كما يُعد استهداف المدنيين وتهجيرهم القسري، وحرمانهم من المأوى والرعاية، من الانتهاكات الجسيمة التي تُصنف كجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وفق نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
وكذلك فإن عرقلة وصول المساعدات الإنسانية تمثل مخالفة واضحة لمبدأ الحق في المساعدة الإنسانية، الذي يقرّه البروتوكول الإضافي الثاني لاتفاقيات جنيف لعام 1977، والذي ينص على وجوب السماح للعاملين في المجال الإنساني بالوصول الآمن والفوري إلى المدنيين المتضررين.
ويعكس الوضع في الفاشر انهياراً شبه كامل لمفهوم الحماية المدنية في النزاعات المسلحة، حيث بات السكان عالقين بين نارين: هجمات المليشيات وتراجع قدرة المنظمات الإنسانية على التدخل.
ومع تصاعد المجاعة ونقص الإمدادات الطبية؛ تتضاعف المخاطر على آلاف الأطفال والنساء وكبار السن، في ظل غياب أي ضمانات أمنية أو ممرات إنسانية آمنة.
وتكشف الوقائع في الفاشر عن أزمة مزدوجة: انفلات ميداني مسلح يقترن بانهيار المنظومة القانونية والإنسانية، إذ يتعامل أطراف النزاع مع القانون الدولي الإنساني بوصفه توصية أخلاقية لا التزاماً قانونياً. وغياب المحاسبة حتى الآن يعزز مناخ الإفلات من العقاب ويشجع على تكرار الانتهاكات في مناطق أخرى من السودان.
وفي المحصلة، لم تعد الفاشر مجرد ساحة معركة عسكرية، بل أصبحت رمزاً للسقوط الإنساني والقانوني في حربٍ تهدد وحدة السودان وبقاء شعبه، بينما تظل النداءات الدولية للمساعدة والحماية عاجزة أمام واقعٍ يزداد قسوة يوماً بعد يوم.



























