سجناء مصر في خطر
بعد مرور 10 سنوات على ثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني 2011 في مصر؛ لا يزال سجناء الرأي والمعتقلين بدواعٍ سياسية؛ يعانون من تعذيب السلطات لهم، واحتجازهم في ظروف قاسية وغير إنسانية، وحرمانهم عمداًَ من الرعاية الصحية.
وبحسب تقارير حقوقية دولية؛ فإن قسوة السلطات قد تسببت أو أسهمت في وقوع وفيات أثناء الاحتجاز، كما ألحقت أضرارا لا يمكن علاجها بصحة السجناء، بالإضافة إلى تقاعس سلطات السجون عن حماية السجناء من وباء فيروس كورونا المستجد.
وأوضح تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية (أمنستي) أن “مسؤولي السجون يبدون استخفافا تاما بأرواح وسلامة السجناء المكدسين في السجون المصرية المكتظة، ويتجاهلون احتياجاتهم الصحية إلى حد كبير، حيث يلقون على عاتق أهالي السجناء أعباء إمدادهم بالأدوية والأطعمة والنقود اللازمة لشراء أساسيات مثل الصابون، ولا يكتفون بذلك بل يتسببون في معاناة إضافية لهؤلاء السجناء بحرمانهم من تلقي العلاج الطبي الكافي أو من نقلهم إلى المستشفيات في وقت مناسب”.
وأكد التقرير أن السلطات تتمادى إلى أبعد من ذلك؛ فتحرم السجناء من الرعاية الصحية والغذاء الكافي والزيارات العائلية، والمعروف أن مثل هذا الحرمان يعتبر نوعاً من التعذيب، لافتا إلى أن “أمنستي” أرسلت في ديسمبر/كانون الأول الماضي نتائج بحوثها حول ظروف احتجاز معتقلي الرأي، ولكنها لم تتلق أي رد.
وبين أن البحوث شملت 16 سجنا أقدمت السلطات المصرية فيها على تعريض السجناء لظروف احتجاز قاسية وغير إنسانية، الأمر الذي شكل تهديدا لحقهم في الصحة.
ونقل التقرير عن معتقلين سابقين حديثهم عن حبسهم في زنازين مكتظة تفتقر إلى التهوية، وتتسم بتدني مستوى النظافة والصرف الصحي، بينما يحرمهم الحراس من الأغطية والملابس الكافية، ومن الطعام الكافي، ومن أدوات النظافة الشخصية، بما في ذلك الفوط الصحية، ومن التريُّض والخروج إلى الهواء النقي، وهناك عشرات السجناء محرومون حاليا من الزيارات العائلية.
وأضاف أن من بين الأعمال الانتقامية ضد هؤلاء السجناء احتجازهم لفترات طويلة ولأجل غير مسمى رهن الحبس الانفرادي في ظروف سيئة، حيث يظلون داخل الزنزانة لأكثر من 22 أو 23 ساعة يومياً؛ وحرمانهم من الزيارات العائلية لفترات وصلت أحياناً إلى أربع سنوات؛ وحرمانهم من تلقي الأطعمة، وغيرها من الأساسيات، من الأهالي.
وأكد التقرير أن مسؤولي السجون عادة ما يتقاعسون عن توفير الرعاية الصحية الكافية للسجناء، سواء من خلال الإهمال أو المنع المتعمد، مشيرا إلى أن عيادات السجون عادة ما تتسم بعدم النظافة والافتقار إلى المعدات والمهنيين الطبيين المؤهلين، بينما يكتفي أطباء السجون بإعطاء السجناء مسكنات للآلام بغض النظر عن الأعراض التي يشتكون منها، بل ويوجهون لهم السباب أحياناً، بما في ذلك وصمهم بعبارات من قبيل “الإرهابيون” و”المنحلّون خلقياً”.
ونقل التقرير عن محتجزتين سابقتين تأكيدهما أنهما تعرضتا لإيذاء وتحرش جنسي من العاملين الطبيين في السجن.
وبحسب محتجزين سابقين؛ فإنه لا توجد آلية واضحة لطلب المساعدة الطبية، بما في ذلك في حالات الطوارئ، وإنهم كانوا يُتركون تماماً تحت رحمة الحراس وغيرهم من مسؤولي السجون، الذين كانوا يتجاهلون شكواهم في كثير من الأحيان، “وكثيراً ما ترفض سلطات السجون نقل محتجزين احتجزوا على خلفية سياسية وفي حاجة لرعاية طبية عاجلة إلى مستشفيات خارج السجون لديها الإمكانات المتخصصة اللازمة، بل وتمنع عنهم الأدوية، حتى في الحالات التي كان يمكن أن يتحمل فيها أهاليهم التكاليف”.
وقالت “أمنستي” إنها تقصت حالات وفاة 12 شخصاً أثناء احتجازهم أو بعد وقت قصير من الإفراج عنهم، مشيرة إلى أن لديها علماً بحالات 37 شخصاً آخرين تُوفوا في عام 2020، ولكنها لم تتمكن من الحصول على موافقة أهاليهم على نشر الحالات نظراً لخشيتهم من الأعمال الانتقامية.
وبحسب إحصاء المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا؛ فإن 869 معتقلا قضوا في السجون، في ظل النظام الحالي الذي يمتنع عن توفير الرعاية الطبية اللازمة للمحتجزين المرضى بحرمانهم من العلاج، واحتجازهم في ظروف غير آدمية.
وبينما ترفض السلطات المصرية الإفصاح عن عدد السجناء في البلاد؛ تشير تقديرات إلى أن العدد يبلغ حوالي 114 ألف سجين، أي ما يزيد عن ضعف القدرة الاستيعابية للسجون والتي قدّرها السيسي في ديسمبر/كانون الأول الماضي، بـ55 ألف سجين.
وأوضح تقرير المنظمة الدولية أن مئات السجناء يتكدسون في السجون التي فحصتها المنظمة، وذلك في زنازين مكتظّة، حيث يبلغ متوسط المساحة المتاحة لكل سجين من أرضية الزنزانة حوالي 1.1 متر مربع، وهي تقل كثيراً عن الحد الأدنى الذي أوصى به خبراء، وهو 3.4 متر مربع.
وقال التقرير إنه مع انتشار فيروس كورونا؛ تقاعست إدارات السجون عن توزيع المنتجات الصحية بشكل منتظم على السجناء، وتتبع وفحص القادمين الجدد، وإجراء اختبارات للمشتبه في إصابتهم وعزلهم.
وأضاف أن مسؤولي السجون يمارسون عملهم دون أن يخضعوا لإشراف يُذكر من جهات مستقلة، أو لأي إشراف على الإطلاق، لافتا إلى أن النيابة العامة لها سلطة إجراء زيارات غير مُعلن عنها سلفاً إلى أماكن الاحتجاز، ولكنها نادراً ما تقوم بذلك وعادةً ما تتجاهل شكاوى المحتجزين.
وكانت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا قد أكدت في بيان لها مطلع العام الحالي، أن مقار الاحتجاز المصرية تفتقر إلى المعايير الفنية الدولية لمقار الاحتجاز الصالحة للبشر، لافتة إلى تزايد عدد المعتقلين بصورة مفزعة تسبب في تكدس كبير داخل الزنازين التي يعاني المحتجزون داخلها من سوء التغذية، وقلة النظافة وانتشار الحشرات والتلوث، مع انعدام التهوية والإضاءة.
ودعت المنظمة المجتمع الدولي والهيئات الأممية ذات الصلة إلى إيلاء ملف المعتقلين المصريين أولوية قصوى، والتدخل لإنقاذ حياتهم، محذرة من أن استمرار أوضاع الاحتجاز الحالية سيؤدي إلى كارثة حقيقية داخل السجون قد تعصف بحياة عدد كبير من المعتقلين، الذين يلقون حتفهم بالفعل بصورة متصاعدة نتيجة عوامل عديدة أبرزها الإهمال الطبي. وطالبت المنظمة مراراً صناع القرار في العالم، بالعمل على إيجاد حل يحمي المعارضين المصريين، مؤكدة أن السلطات المصرية تتعامل معهم كرهائن للضغط على ذويهم لإرغامهم على التوقف عن انتقاد النظام