توفي المواطن المصري خليل محمد أبو هِبَه (35 عاماً) داخل أحد أقسام الشرطة في ضواحي القاهرة بعد ساعات قليلة من توقيفه، في واقعة تثير قدراً كبيراً من الريبة حول طبيعة ما جرى داخل مقر الاحتجاز، خاصة في ظل روايات أسرته التي تتحدث عن تعرضه للإيذاء قبل وفاته.
ويعمل أبو هِبَه، وهو أب لأربعة أطفال من مدينة المحلة الكبرى، في تجارة السيارات، وكان قد اعتُقل في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول الجاري قبل أن يُعلن عن وفاته خلال وقت وجيز.
وتفيد رواية أسرته وشهود العيان بأن معاون المباحث أحمد رفعت الصعيدي ألقى القبض على خليل أثناء وجوده في مقهى شهير، بعد تفتيشه دون العثور على شيء بحوزته.
وتضيف الشهادات أن الضابط تعامل معه بطريقة مهينة، وطالبه بتسليم مفتاح سيارته، وحين رفض بسبب الأسلوب المتعسف، جرى تقييده بالقوة وانتزاع المفتاح من جيبه، ثم نُقل إلى قسم الشرطة بمساعدة مخبرين.
وتشير الأسرة إلى أن خليل دخل القسم وهو في كامل وعيه وقادر على الحركة، وقد شوهد قبل دقائق يناشد محاميه قائلاً: “الحقني… واخدني فاضي”، في دلالة على عدم وجود أي مضبوطات تبرّر احتجازه، وبعد نحو نصف ساعة فقط، تلقت الأسرة نبأ وفاته.
وبحسب ما اطّلعت عليه الأسرة؛ نُقل جثمان خليل من القسم جثة هامدة تظهر عليها آثار يُشتبه أنها ناتجة عن ضرب وصعق كهربائي، مع غياب أي استدعاء للإسعاف أو تواصل مع ذويه أثناء تدهور حالته. ورغم ذلك، قيّد محضر النيابة الوفاة على أنها سكتة قلبية دون الإشارة إلى أي علامات جسدية محتملة أو تفسير للمدة القصيرة بين لحظة الاحتجاز ولحظة الوفاة.
واتهم والد الشاب خليل، في مقطع فيديو، السلطات المصرية بقتل نجله تحت التعذيب، مؤكدا رؤيته علامات التعذيب على جسده.
وتطرح هذه الفجوة بين المشاهدات الفعلية والتوصيف الرسمي للوفاة تساؤلات جدية حول مسار التعامل مع الواقعة، وحول ما إذا كانت هناك محاولة لتقليص أو حجب ما قد يشير إلى مسؤولية جنائية داخل مقر الشرطة.
وتُعد أي وفاة داخل مكان احتجاز مسؤولية مباشرة على الجهة التي تفرض السيطرة على حياة الشخص وحرية حركته. ويُلزم القانون السلطات بضمان سلامة المحتجزين، وتوفير الرعاية الطبية الفورية، وإبلاغ الأسرة في حال أي تدهور صحي، والحفاظ على كل الأدلة المتعلقة بظروف الاحتجاز.
كما يحظر القانون، بشكل مطلق، تعريض أي محتجز للتعذيب أو المعاملة المهينة، ويعتبر أي انتهاك يقع داخل مقرات الاحتجاز انتهاكاً لحرمة الجسد وتهديداً للحق في الحياة. وتزداد الخطورة عندما تقترن الوفاة بتشخيص رسمي مبهم يتعارض مع المعطيات المتاحة.
في ضوء التسلسل الزمني القصير بين الاحتجاز والوفاة، ووجود مؤشرات بدنية مثيرة للشكوك؛ يصبح فتح تحقيق قضائي مستقل وشفاف ضرورة لا يمكن تجاوزها، للكشف عن حقيقة ما جرى داخل قسم الشرطة، ومحاسبة كل من تورط في توقيف خليل دون سند قانوني محتمل، أو الاعتداء عليه، أو التستر على ملابسات وفاته.
كما تبرز أهمية نشر تقرير الطب الشرعي كاملاً دون حذف أو تعديل، وتمكين الأسرة من حقوقها القانونية، وضمان عدم العبث بأي تسجيلات أو مستندات متعلقة بالواقعة.
وحتى موعد نشر هذا التقرير؛ لم تصدر وزارة الداخلية المصرية أي تعليق، فيما تظل الأسئلة معلّقة حول سبب وفاة خليل محمد أبو هِبَه، وكيف يمكن حماية المواطنين من تكرار مثل هذه الحوادث داخل أماكن يفترض أن تكون مخصصة لحماية الأمن لا إزهاق الأرواح.


























