على بوابة مركز استقبال الأسرى الفلسطينيين في مجمع ناصر الطبي بخان يونس؛ امتزجت الدموع بالفرح، حين تعانق المحررون مع ذويهم بعد أكثر من عام ونصف من الاعتقال في سجون الاحتلال.
لكن؛ خلف تلك الوجوه المرهقة تختبئ شهادات مروّعة عن سياسات تعذيب وتجويع ومعاملة مهينة، تعكس حجم الانتهاكات التي رافقت الحرب المستمرة على قطاع غزة، والتي وصفتها منظمات أممية بـ الإبادة الجماعية البطيئة.
أُفرج عن هؤلاء الأسرى، أمس الاثنين، ضمن المرحلة الأولى من اتفاق صفقة تبادل بين حركة “حماس” والاحتلال، تزامنًا مع وقف إطلاق النار الذي دخل حيّز التنفيذ الجمعة الماضية، بعد عامين من الحرب التي أودت بحياة أكثر من 67 ألف فلسطيني وأصابت نحو 170 ألفًا، أغلبهم من الأطفال والنساء، وفق إحصاءات وزارة الصحة في غزة.
مقبرة الأحياء
الأسير المحرر عبد المعز دحلان وصف خروجه من السجن قائلًا: “الحمد لله.. طالعين من مقبرة الأحياء”. كانت كلماته تختصر رحلة من العذاب امتدت 21 شهرًا، قال إنها شهدت “حرمانًا من الطعام، وضربًا متكررًا، وإهانات ممنهجة”.
ورغم الهزال البادي على جسده؛ تحدث بثقة في تصريحات إعلامية، عن الفضل الذي يعود إلى “صمود الشعب”، بينما كانت طفلته الصغيرة تتشبث به، في مشهد يعيد للحياة معناها بعد طول انقطاع.
وبحسب هيئة شؤون الأسرى ونادي الأسير الفلسطيني؛ أفرج الاحتلال عن 1968 أسيرًا ضمن الصفقة، بينهم 250 من المحكومين بالمؤبد و1718 من أبناء قطاع غزة الذين اعتقلوا بعد بدء الحرب، كثير منهم نُقلوا مباشرة إلى المستشفيات جراء آثار التعذيب وسوء المعاملة.
تعذيب ممنهج.. وشهادات دامية
الأسير المحرر أحمد التلباني، من جباليا شمال غزة، تحدث للصحفيين وهو يحتضن طفله للمرة الأولى منذ أكثر من عام: “كنت أبكي كل ليلة لأنني نسيت أشكال أولادي من شدة العذاب”.
وروى التلباني أن الأسرى تعرضوا لـ”ضرب جماعي، وفتح الغاز داخل الزنازين، وحرمان من الطعام والدواء”، في ممارسات تُصنّف وفق اتفاقية مناهضة التعذيب لعام 1984 كجرائم لا تسقط بالتقادم، وتُعتبر انتهاكًا جسيمًا لاتفاقيات جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين زمن الحرب.
ووفق تقارير صحفية؛ كانت علامات التعذيب واضحة على أجساد المفرج عنهم، وأن بعضهم نقل على كراسٍ متحركة أو بسيارات إسعاف، في دلالة على حجم ما تعرضوا له من معاملة لا إنسانية ومهينة، تخرق القواعد الأساسية للقانون الدولي الإنساني.
إبادة جماعية ممنهجة
ويمثل ما يجرى في سجون الاحتلال، جزءاً لا يتجزأ من سياسة الإبادة الجماعية ضد سكان غزة. فبحسب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية لعام 1948، تُعد الإبادة متحققة عندما يُمارس القتل أو الإيذاء الجسدي والنفسي المتعمد على جماعة قومية أو إثنية بهدف تدميرها كليًا أو جزئيًا.
وتشير الشهادات الميدانية إلى أن الأسرى من غزة احتُجزوا في ظروف تجويع قسري، وحرمان من الرعاية الصحية، وتعذيب ممنهج، بالتوازي مع حملة قصف وتجريف وتهجير استهدفت المدنيين والبنى التحتية، ما يعزز توصيف الحرب الجارية بأنها جريمة إبادة جماعية مدعومة سياسياً.
ويُلزم القانون الدولي الإنساني، وخاصة المادة الثالثة المشتركة في اتفاقيات جنيف، القوة القائمة بالاحتلال بمعاملة الأسرى معاملة إنسانية، ويحظر التعذيب، والإذلال، وتهديد الحياة، والحرمان من الغذاء أو الدواء.
لكن تقارير صادرة عن مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان واللجنة الدولية للصليب الأحمر خلال العامين الماضيين، أكدت أن الاحتلال انتهك هذه المواد بصورة واسعة، ما يستدعي تحقيقًا دوليًا مستقلاً ومساءلة قانونية أمام المحكمة الجنائية الدولية بموجب نظام روما الأساسي (1998).