في الوقت الذي يتطلع فيه أطفال العالم إلى مستقبل آمن وتعليم مستقر؛ يخوض أطفال غزة معركة يومية من أجل البقاء، وسط حرب إبادة جماعية مستمرة تشنّها قوات الاحتلال الإسرائيلي، تُستخدم فيها كل وسائل القتل والتجويع والتدمير، دون أي اعتبار للطفولة أو للحد الأدنى من القيم الإنسانية.
وفي هذا السياق؛ أكدت منظمة الأمم المتحدة للطفولة، أن جميع الفلسطينيين في قطاع غزة يعانون الجوع، إلا أن الأطفال هم الأكثر تضرراً، مشيرة إلى أن 83 طفلاً على الأقل لقوا حتفهم حتى 25 يوليو/تموز نتيجة سوء التغذية، وهي أرقام تواصل الارتفاع بشكل يومي، في ظل حصار خانق وإغلاقٍ تام لمعابر إدخال المساعدات منذ مارس/آذار الماضي.
وبات الأطفال الذين كان يُفترض أن يذهبوا إلى مدارسهم ويعيشوا طفولتهم بسلام، يُجبرون على مغادرة مخيماتهم وخيامهم الخطرة يومياً، ويخاطرون بحياتهم من أجل فتات طعام أو جرعة ماء، في مشهد يجسّد انهياراً تاماً لشروط الحياة.
ولا يمكن فصل ما يجري في غزة عن سياسة التجويع الممنهجة التي يتبعها الاحتلال، والتي لا تقتصر فقط على عرقلة المساعدات بل تتعمد استخدامها كسلاح ضغط جماعي على السكان، في خرق فاضح للقانون الدولي الإنساني، الذي يحظر استخدام التجويع كأسلوب من أساليب الحرب.
ومع استمرار إغلاق المعابر، ورغم “سماح” جيش الاحتلال مؤخراً بإسقاط جوي محدود للمساعدات، إلا أن الكميات لا تفي بالحد الأدنى من احتياجات السكان، ولا تكفي لإنقاذ الأرواح، خاصة الأطفال الذين يعانون من نقص حاد في العناصر الغذائية الأساسية والمياه النظيفة.
وقد اعتُبرت هذه الخطوات التجميلية مجرد محاولة لإخفاء الجرائم تحت غطاء إنساني وهمي، في وقت لا تزال فيه المجازر قائمة، والمنازل تُقصف، والمخيمات تُدمَّر، والمستشفيات عاجزة عن استقبال المرضى.
وبحسب وزارة الصحة في غزة؛ بلغ عدد قتلى المجاعة وسوء التغذية 133 فلسطينياً، بينهم 87 طفلاً، منذ بدء العدوان في أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وتضاف هذه الأرقام إلى حصيلة حرب الإبادة التي أوقعت أكثر من 204 آلاف قتيل وجريح، معظمهم من الأطفال والنساء، وأكثر من 9 آلاف مفقود، في حين بات أكثر من 1.5 مليون فلسطيني بلا مأوى.
وتكشف هذه المعطيات عن جريمة متكاملة الأركان، ترتقي إلى مستوى الإبادة الجماعية، بموجب القانون الدولي، الذي يعرف الإبادة بأنها ارتكاب أفعال تهدف إلى التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو دينية، وهو ما ينطبق بدقة على ما تقوم به قوات الاحتلال في غزة.
إن ما يجري في غزة ليس فقط أزمة إنسانية، بل جريمة متواصلة بحق الإنسانية، لن تمحوها محاولات التبرير، ولا تصريحات المسؤولين عن “إدخال الحد الأدنى” من المساعدات، فيما يموت الأطفال على أبواب المستشفيات، وتُدفن العائلات تحت أنقاض بيوتها، ويُطارد الموت الجميع بلا استثناء.