تعيش العائلات في قطاع غزة واقعاً إنسانياً مأساوياً يرقى إلى مستوى الإبادة الجماعية، حيث يواجه أكثر من مليوني فلسطيني، غالبيتهم من النساء والأطفال، ظروفاً قاسية بفعل الحصار المحكم والهجمات المتواصلة من قبل الاحتلال.
وفي ظل نقص حاد في الغذاء، وتلوث المياه، وانهيار تام للمنظومة الصحية؛ يُترك المدنيون، خصوصاً الأطفال، للموت البطيء، دون توفر أبسط مقومات الحياة.
وفي هذا السياق؛ وصف الناطق باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) جيمس إلدر الذي يزور مدينة خان يونس جنوبي القطاع؛ الوضع في غزة بأنه “قاتم ومروّع ومحطّم للآمال”، مؤكداً أن العائلات الفلسطينية “تُعاني الأمرّين لتأمين وجبة واحدة لأطفالها”، وسط استمرار القصف ونقص المساعدات.
وأضاف إلدر في مقابلة مع وكالة “الأناضول” أن “سكان غزة يقضون لياليهم تحت القصف، وأيامهم هاربين من الجوع والانفجارات”، مشيراً إلى أن قدرة السكان على التحمّل “قد تحطّمت بالكامل”.
ورغم الإعلان عن وقف إطلاق نار مؤقت سابقاً، شهد القطاع فقط تحسناً طفيفاً في تدفق المساعدات، قبل أن يعود الحصار ليخنق غزة مجدداً، بشكل ممنهج ومتعمّد.
وأدى إغلاق الاحتلال لمعابر القطاع منذ مارس الماضي إلى تقويض كل الجهود الإنسانية، حيث أصبحت كميات القنابل والصواريخ التي تدخل إلى غزة تفوق بأضعاف ما يُسمح بدخوله من الغذاء والماء والدواء.
ومنذ أكثر من 600 يوم، يعيش الفلسطينيون في غزة تحت نيران حرب مفتوحة، تترافق مع سياسة تجويع تُنفذ بشكل ممنهج، ما يشير بوضوح إلى نية الإبادة، إذ لا يُترك للمدنيين أي فرصة للنجاة أو حتى الحفاظ على الحد الأدنى من الحياة الكريمة.
وأوضح إلدر أن بعض الأمهات في غزة يقضين يومين دون طعام ليتمكّن من تأمين وجبة وحيدة لأطفالهن، مؤكداً أن “الناس أمضوا حياتهم في بناء منازل وحدائق، وكل ذلك اختفى فجأة”.
ولا يتوقف الأمر عند تدمير البنية التحتية والمنازل، بل يتعداه إلى منع وصول الغذاء، وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية، فيما النظام الجديد لتوزيع الإغاثة في جنوب القطاع، الذي يتم عبر آليات يفرضها الاحتلال بدعم أمريكي، في سقوط ضحايا يومياً، إذ يُقتل أطفال فقط لأنهم اقتربوا من شاحنات المساعدات أو حاولوا الوصول إلى علبة طعام.
ووفق وزارة الصحة في غزة، قُتل أكثر من 16,500 طفل فلسطيني منذ بدء العدوان الواسع في 7 أكتوبر 2023، في حين أن آلاف الأطفال الآخرين يواجهون خطر الموت نتيجة الجوع أو أمراض كان يمكن علاجها بسهولة في ظروف صحية طبيعية.
ويؤكد إلدر أن الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية الحاد، تزداد احتمالية وفاتهم بسبب أمراض بسيطة بمقدار عشرة أضعاف، في ظل غياب الغذاء، والمياه النظيفة، والرعاية الصحية.
إن ما يجري في غزة، وفق الوقائع والممارسات، يتجاوز التصعيد العسكري أو النزاع المسلح، ويدخل ضمن إطار الإبادة الجماعية: قتل جماعي ممنهج، وتجويع متعمد، وتدمير للبنية التحتية المدنية، وتهجير قسري، واستهداف مباشر للأطفال، في سياسة متكاملة تنتهك أبسط قواعد القانون الإنساني الدولي، وتستلزم تحركاً فورياً لوقف النزيف الإنساني وحماية ما تبقّى من حياة في هذا القطاع المحاصر.