رغم مرور أكثر من أسبوعين على سريان اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة؛ تتواصل فصول المأساة الإنسانية، إذ أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) عن تسجيل أكثر من 470 ألف حالة نزوح باتجاه شمال القطاع منذ 10 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، في مؤشر على أن “الهدوء المعلن” لا يعني نهاية الكارثة التي خلّفها الاحتلال بعد عامين من القصف والتدمير المنهجي.
وأوضح المكتب الأممي في بيان، أن العائلات الفلسطينية في غزة تواصل العودة إلى بيوتها المدمرة، رغم المخاطر المحيطة بالعديد من المباني، وانتشار الذخائر غير المنفجرة والحاجة الماسة إلى الماء والغذاء والخدمات الأساسية.
وأفاد بأن فلسطينيي غزة مستمرون في التحرك خلال اليومين الماضيين عبر مناطق القطاع، حيث تم منذ وقف إطلاق النار تسجيل أكثر من 470 ألف تنقل باتجاه الشمال، وفق ما ذكره موقع “أخبار الأمم المتحدة”.
وفي سياق متصل، قال المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، إن شركاء الأمم المتحدة يواصلون عملهم للحد من خطر الذخائر غير المنفجرة في القطاع، مشيرا إلى خطورة تلك الذخائر خاصة مع عودة سكان القطاع إلى منازلهم.
وأفاد بأنه منذ 7 أكتوبر 2023، سجل العاملون في المجال الإنساني 150 حادثة ذخائر متفجرة أدت إلى إصابات شملت أطفالا.
ورغم انتهاء الحرب؛ ما تزال قرابة 20 ألف قذيفة وصاروخ إسرائيلي غير منفجر، وفق تقديرات المكتب الإعلامي الحكومي، تشكل تهديدا مباشرا وحقيقيا لحياة 2.4 مليون فلسطيني يعيشون في قطاع غزة.
وخلال عامين من الإبادة الجماعية التي شنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023، قتل 68 ألفا و527 فلسطينيا، وأصيب 170 ألفا و395 آخرين، من بينهم 93 قتيلا و337 مصابا في خروقات ارتكبها الاحتلال منذ 11 أكتوبر الجاري.
يشار إلى أن حركة النزوح الواسعة نحو شمال قطاع غزة بعد وقف إطلاق النار، تظهر أن تبعات الحرب الإسرائيلية لا تزال قائمة في جوهرها، رغم توقف العمليات العسكرية المباشرة. فعودة مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى مناطق مدمرة تعكس غياب أي ضمانات فعلية للحماية الإنسانية، في ظل انهيار البنية التحتية والخدمات الأساسية واستمرار الحصار المفروض منذ أكثر من 17 عاماً.
ويشير استمرار التهجير، وتقييد دخول المساعدات، وغياب ظروف الحياة الكريمة، إلى انتهاك مباشر للمادة (49) من اتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر النقل القسري للسكان، وكذلك للمادة (33) التي تحظر العقاب الجماعي.
كما يمثل الحصار المستمر، بما يشمله من قيود على الماء والغذاء والدواء، استخداماً للتجويع كأداة للضغط السياسي، وهو فعل مصنّف كجريمة حرب وفق البروتوكول الإضافي الأول للاتفاقيات نفسها.
ويوقع الدمار الواسع في شمال غزة، وما تبقّى من ذخائر غير منفجرة، مسؤولية قانونية واضحة على قوة الاحتلال بموجب قواعد لاهاي لعام 1907 التي تُلزمها بإزالة مخلفات الحرب وتأمين المناطق المدنية. كما أن تقاعس المجتمع الدولي عن فرض التزامات المساءلة والمحاسبة يسهم في ترسيخ مناخ الإفلات من العقاب، ويقوّض النظام الدولي القائم على احترام القانون الإنساني.
وتجتمع هذه المعطيات لتؤكد أن ما يشهده القطاع ليس مجرد أزمة إنسانية عابرة، بل نتيجة مباشرة لسياسة منظمة اتخذت شكل الإبادة البطيئة عبر التدمير المتعمد لمقومات الحياة. ومن دون تطبيق مبدأ المسؤولية الدولية عن الجرائم الجسيمة، ستظل غزة نموذجاً صارخاً على فشل المنظومة القانونية العالمية في حماية المدنيين تحت الاحتلال.
























