يواصل جهاز الأمن الوقائي التابع للسلطة الفلسطينية، احتجاز الصحافي والأسير المحرر سامي الساعي (46 عاماً) من مدينة طولكرم، لليوم الرابع على التوالي، على خلفية منشورات له عبر وسائل التواصل الاجتماعي، في قضية تُعيد إلى الواجهة الانتهاكات المتصاعدة لحرية الصحافة والرأي والتعبير في الأراضي الفلسطينية.
واعتُقل الساعي ظهر الاثنين الفائت أثناء وجوده في سيارته بمدينة طولكرم، دون إبراز مذكرة توقيف رسمية، قبل أن يُحال لاحقاً إلى النيابة العامة بتهم تتعلق بـ”التحريض وإثارة النعرات”، ليتم تمديد اعتقاله خمسة عشر يوماً على ذمة التحقيق بقرار من محكمة صلح طولكرم.
وأفادت أسرته بأنّ حالته النفسية سيئة للغاية، خصوصاً أنه لم يتعافَ بعد من آثار اعتقاله الأخير في سجون الاحتلال، حيث تعرّض خلالها للتعذيب والعزل والتنكيل.
ويثير استمرار احتجاز الساعي مخاوف جدية بشأن تدهور واقع الحريات الإعلامية في الضفة الغربية، وسط تنامي ظاهرة الاعتقال السياسي وتكميم الأفواه. فاعتقال صحافي بسبب آرائه أو منشوراته يُعدّ انتهاكاً مباشراً للمادة (19) من القانون الأساسي الفلسطيني، التي تضمن حرية الرأي والتعبير، وكذلك مخالفة للمادة (19) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي صادقت عليه دولة فلسطين، ويكفل لكل إنسان الحق في حرية التعبير وتلقي المعلومات دون تدخل أو تهديد.
ويؤكد هذا الاعتقال استمرار استخدام القوانين الجنائية بطريقة مسيّسة لتقييد حرية الصحافة، إذ تُوجَّه تهم فضفاضة مثل “إثارة النعرات الطائفية” أو “الذم بالسلطة” لتبرير التوقيف، وهي تهم تتعارض مع مبدأ الضرورة والتناسب في القيود المفروضة على الحريات العامة المنصوص عليه في القانون الدولي.
إنّ ملاحقة الصحافيين بسبب آرائهم أو عملهم الصحافي لا تقتصر على انتهاك حقوق الأفراد فحسب، بل تمثل اعتداءً على المصلحة العامة، كونها تُضعف الشفافية والمساءلة، وتمنع المجتمع من الوصول إلى المعلومات بحرية، وهو ما يُفترض أن تكون السلطات الفلسطينية حامية له لا مقيدة.
وفي سياق أوسع؛ يشير هذا الحدث إلى أزمة ثقة متنامية بين السلطة الفلسطينية والجسم الصحافي المستقل، وإلى استمرار نمط من الاعتقالات السياسية التي تطال ناشطين وصحافيين ومدافعين عن حقوق الإنسان، رغم الدعوات المتكررة لإصلاح المنظومة القانونية والأمنية بما يتوافق مع المعايير الدولية.
ومن الناحية القانونية؛ فإن استمرار احتجاز الساعي دون مبررات قانونية واضحة أو ضمانات لمحاكمة عادلة، يمثل احتجازاً تعسفياً بموجب تعريف الأمم المتحدة، ويُلزم السلطات بإطلاق سراحه فوراً وتعويضه عن الضرر المادي والمعنوي.
ويؤكد هذا الوضع الحاجة إلى تحرك جاد نحو تعزيز استقلال القضاء، وضمان عدم تدخل الأجهزة الأمنية في القضايا ذات الطابع الإعلامي أو السياسي، وإعادة الاعتبار لمبادئ سيادة القانون وحرية الرأي باعتبارها أساساً لأي نظام ديمقراطي يحترم كرامة الإنسان وحقوقه الأساسية.