قدسية الحياة وحرمتها:
حرص المشرع في مختلف دول العالم على النص في الدساتير والقوانين على حق الإنسان في الحياة والسلامة الجسدية والبدنية، وأخذت هذه الحقوق بعداً عالميا في العقد الماضي فقد نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 في المادة الثالثة على حق الإنسان في الحياة كما نص في المادة الخامسة على حرمة تعرض أي إنسان للتعذيب أو المعاملة الحاطة من الكرامة وتعززت هذه الحقوق بمعاهدات دولية متلاحقه مثل العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية عام 1966 واتفاقية مناهضة التعذيب عام 1984 ،ومع أن هذه الحقوق بديهية نصت عليها الشرائع السماوية تلازم الإنسان في مراحل تكونه جنينا وتتعزز بعد ولادته إلا أن الدافع وراء هذه النصوص هو كبح جماح الإستهانة الواسع بحياة الإنسان وسلامته من قبل الأنظمة الحاكمة في وقت السلم أو الحرب.
وبسبب تطبيق عقوبة الإعدام على نطاق واسع ودون اتباع معايير المحاكمة العادلة وتطبيق هذه العقوبة حتى على النشطاء السياسيين والمعارضين تبنت الأمم المتحدة عدة معاهدات غير ملزمة تدعو الى إلغاء عقوبة الإعدام.
إلا أن العديد من الدول بقيت تنص في تشريعاتها على عقوبة الإعدام لأسباب مختلفة وللتعامل مع هذا الواقع أصدر المجلس الاقتصادي والاجتماعي لمنظمه الأمم المتحدة قرار رقم 50/1984 بتاريخ 25 أيار 1984 يتضمن العديد من الضمانات التي تكفل حماية حقوق الأفراد الذين يواجهون عقوبة الإعدام،بحيث لا تفرض العقوبة إلا في نطاق ضيق وبنص قانوني وأن لا تفرض على الطفل الذي لم يتم الثامنة عشرة وقت ارتكاب الجرم، ويتوجب الحكم بهذه العقوبة بموجب أدلة واضحة وقانونية في محاكمة علنية بحيث يحق للمتهم بعد صدور الحكم الإستئناف وطلب العفو وعند التنفيذ يجب أن يكون المتهم كامل الأهلية ويتوجب أحترام حقوقه الإنسانية والدينية وأن يتم التنفيذ بصورة لا تشكل ألما كبيرا له.
عدم التقيد بالضمانات:
عند إسقاط هذه الضمانات على أحكام الإعدام التي تصدرها المحاكم العراقية يلاحظ من الشهادات والوثائق التي تم استقاؤها من المتهمين أنفسهم قبل تنفيذ العقوبة ومن عائلاتهم أنها منتفية تماما في كافة المراحل ولا سيما في المرحلة المهمة أثناء المحاكمة فالأدلة التي يتم الحكم بموجبها تم الحصول عليها من مخبر سري واعترافات انتزعت تحت تعذيب وحشي وقاسي للمتهم وأفراد عائلته،حيث تعتبر المحاكم العراقية أن الإعتراف سيد الأدلة خلافا للقاعدة القانونية في القضايا الجزائية “الإعتراف ملك المتهم” يستطيع التراجع عنه في أي مرحلة، وحتى وإن كان الإعتراف سليما فإن أي قضاء نزيه وعادل لا يمكن أن يحكم بموجبه بدون وجود أدلة وقرائن أخرى دامغة. إن اعتماد المحاكم العراقية في قضايا خطرة على اعترافات انتزعت تحت التعذيب فضلا عن انها تودي بصاحبها إلى مقصلة الموت فإنها تؤدي إلى طمس الحقيقة وتضليل أجهزة العدالة والجمهور ويفسح المجال أمام المجرم الحقيقي ليبقى طليق السراح يستمر بارتكاب جرائمة في عملية مدروسة ومنهجية من قبل الأجهزة الأمنية والقضاء للتغطية على الفاعل الحقيقي ففي حالات عديدة ثبت اعتراف المتهمين على أفعال لم يقوموا بها أصلا بسبب التعذيب الشديد.ووصلت درجة الإنهيار في النظام القضائي أن المحاكم العراقية تصدر أحكام بالإعدام على أشخاص كانوا اطفالا وقت ارتكاب الفعل(هذا على فرض أنهم ارتكبوه) يضاف إلى ذلك البعد الطائفي الواضح في المحاكمات حيث أن هذه العقوبة سيف مسلط على المكون السني بموجب المادة 4إرهاب.إن هذه المحاكمات لا تناهض فقط القواعد المنصوص عليها في القانون الدولي إنما أيضا تخالف الدستور العراقي لعام 2005 الذي وافق عليه العراقيون و نص بشكل واضح في المادة 35″أولاً : أ ـ حرية الإنسان وكرامته مصونةٌ. ب ـ لا يجوز توقيف أحد أو التحقيق معه إلا بموجب قرارٍ قضائي.ج ـ يحرم جميع أنواع التعذيب النفسي والجسدي والمعاملة غير الإنسانية،ولا عبرة بأي اعتراف انتزع بالإكراه أو التهديد أو التعذيب، وللمتضرر المطالبة بالتعويض عن الضرر المادي والمعنوي الذي أصابه وفقاً للقانون”.
وليس أدل على الإكراه من قيام الأجهزة الأمنية بإجبار المتهمين على تسجيل إعترافاتهم تلفزيونيا وبثها على الجمهور قبل عرضهم على المحاكم في عمليه مسبقة لإدانتهم وتشويه سمعتهم وسمعة عائلاتهم قبل أن يقول القضاء كلمته ،في المؤتمر الصحفي الشهير الذي عقدته قياة الشرطة في بغداد في أيار عام 2012 حيث أحضر إليه عشرات المعتقلين وعندما بديء ببث شريط لاعترافات ليث مصطفى حمود عضو مجلس محافظة بغداد عن الكتلة العراقية وهو يعترف أنه انتمى الى تنظيم القاعدة منذ عام2005 وأن مهمته كانت تتعلق بتمويل الإرهابيين، قام ليث وبدأ بالصراخ معلنا براءته وأن كل ما أدلى به كان تحت التعذيب وكذلك فعل شخص آخر معه اتهم بأنه مفتي التنظيم.كانت ردة فعل الحراس قاسية حيث قاموا بمحاولة اسكاتهم واقتيادهم بشكل مهين.
أحكام معدومة وقتل عمد:
إن أحكام الإعدام التي يصدرها القضاء العراقي بحق المعتقلين من وجهة نظر القانون والدستور العراقي والمواثيق والمعاهدات الدولية باطلة بطلانا مطلقا تصل درجة الإنعدام حيث اعتمدت بشكل كلي على أدلة واعترافات انتزعت تحت التعذيب وهذا أصبح شائعا في ساحات القضاء وموثق بالإدلة وهو ليست مجرد حالة منعزلة وبالتالي لا يمكن إدراج هذه الحالات ضمن الأخطاء التي تحدث في أي قضاء مثالي إنما تعتبر جرائم لأنها أخذت طابعا منهجيا يستهدف مكونا أساسيا من المجتمع العراقي هم أهل السنة،فالقضاة الذين ينظرون قضايا تندرج تحت المادة 4 إرهاب يقومون عن سابق تصور وتصميم بإصدار هذه الأحكام بدوافع طائفية أو بضغط من السلطة التنفيذية مما يضفي عليها عمليات قتل عمد موصوفة يقع تحت طائلتها القضاة الذين أصدروا الاحكام والجهة التي تنفذ الأحكام، حكومة وجلادين،وما يضاعف الجريمة أن الأحكام تنفذ رغم عدم بلوغها الدرجة القطعية وتكون قيد الدراسة لدى محكمة الإستئناف وبدون مصادقة من رئيس الجمهورية.
أعداد المحكومين بالإعدام :
لا يعرف علي وجه الدقة عدد الأحكام التي صدرت منذ دخول عقوبة الإعدام حيز التنفيذ بعد غزو العراق ولا يعرف عدد الذين تم التنفيذ بحقهم لتكتم السلطات المعنية، إلا أن المؤكد أن الأحكام التي صدرت بالإعدام هي بالآلاف ومن نفذ بهم الحكم بالمئات وفق أرقام رسمية، ويبقى هناك أعداد كبيرة ممن أعدموا بطريقة سرية كاملة ولم تسلم جثثهم لأهاليهم،وفي تتبع لتصريحات المسؤولين يمكن رسم صورة جزئية للأعداد الهائلة .
فوفقا لما قاله الناطق باسم وزارة العدل حيدر السعدي في حزيران عام 2011 عقب تفويض الخزاعي” ان الوزارة بانتظار مصادقة الخزاعي على تنفيذ أحكام الاعدام من أجل الشروع بالتنفيذ فوراً هناك عدد كبير من أحكام الإعدام البالغة 1134 حكماً كانت بانتظار المصادقة عليها، والمدة القصوى لتنفيذ أي حكم بالأعدام اتخذ الدرجة القطعية لا يتجاوز 15 يوماً” ،وأضاف “أن ديوان رئاسة الجمهورية تسلم خلال عامي 2011 ـــ 2012 نحو 604 قرار إعدام من المحاكم المختصة وقامت الدائرة القانونية فيه بتنظيم وإعداد المراسيم الخاصة بها جميعاً ورفعت للمصادقة عليها”.ووفقا لبيانات وزارة العدل فإنه في عام 2012 نفذ حكم الإعدام بحق 129 ومنذ مطلع العام 2013 وحتي الآن نفذ حكم الأعدام بحق 29 وهناك مصادر تتحدث عن 59 شخصا.في موازاة ذلك تشير المصادر من داخل السجون أن عدد المحكومين بالإعدام حتى اليوم بلغ أكثرمن 3500 والأعداد بازدياد ففي كل يوم تعتقل القوات العراقية المئات وفي كل يوم تصدر المحاكم العراقية أحكام بالإعدام على العشرات في محاكمات سريعه.
عدم دستورية التنفيذ:
يوم الأثنين الموفق 01/04/2013 أعلنت وزارة الداخلية إعدام 4 معتقلين في سجن الحماية القصوى في بغداد في حين أن مصادر من داخل السجن ومن البرلمان العراقي أفادت أن العدد أكبر من ذلك بكثير، وكانت السلطات العراقية قد نفذت حكم الإعدام بتاريخ 14 و17 آذار 2013 بثمانية عشر معتقلا وفق بيان لاحق لوزارة العدل،عند تنفيذ احكام الأعدام هذه لم تعلن وزارة العدل الأمر بشكل رسمي إنما صباح يوم الأحد 17/03/2013 تناقلت وسائل الإعلام خبرا مفادة “مصدر أمني من داخل سجن الحماية القصوى أفاد بإعدام عشرة معتقلين”،وبتاريخ 27/03/2013 وبعد مرور ما يقارب العشرة أيام على عمليات الإعدام اعترف نائب وزير العدل باعدام 18 في اليومين المذكورين.وأثناء إعداد هذا التقرير أعدمت وزارة العدل 7 أشخاص بتاريخ 07/03/2013.