تُشكّل أوضاع السجون في مصر ملفًا بالغ الخطورة، ليس فقط لكونها قضية إنسانية بامتياز، بل لأنها تمسّ جوهر التزامات الدولة باحترام الحقوق الأساسية التي نصّت عليها القوانين المحلية والدساتير والمواثيق الدولية.
ويكشف ما يحدث داخل بعض السجون المصرية عن واقع يتناقض مع أبسط معايير العدالة والكرامة الإنسانية، حيث تتزايد حالات الوفاة المفاجئة والإضرابات ومحاولات الانتحار نتيجة للظروف القاسية وغياب الرعاية الطبية الكافية.
وفي هذا السياق؛ شهد سجن وادي النطرون حادثًا مأساويًا يوم الأربعاء 3 سبتمبر 2025، حيث توفي المعتقل إبراهيم عيد صقر، البالغ من العمر 63 عامًا، إثر أزمة قلبية حادة ومفاجئة أثناء أدائه صلاة الظهر مع زملائه. وعلى الرغم من محاولات إنعاشه، فارق الحياة في الحال.
واعتقل المتوفى الذي كان يعمل بالتجارة ومشهودًا له بالاستقامة والعمل الخيري، منذ عام 2017 على خلفية قضية سياسية، وصدر بحقه حكم بالسجن 10 سنوات.
وأكدت أسرة صقر أنه كان يتمتع بصحة جيدة، ما يثير تساؤلات جدية حول ظروف وفاته داخل السجن.
وبالتزامن مع هذا الحادث؛ تتكشف أوضاع مأساوية داخل سجن “بدر 3″، حيث تتواتر الأنباء عن محاولات انتحار متعددة، وإضرابات عن الطعام، وتدهور صحي خطير لعدد من المعتقلين السياسيين.
فقد شهد القطاع (2) بالسجن خلال أغسطس الماضي ما لا يقل عن 16 محاولة انتحار، بعضها تكرر من السجين ذاته، نتيجة اليأس من استمرار ظروف الاحتجاز القاسية.
ومن بين الحالات البارزة، محاولة الطبيب الجراح سيد هيكل الانتحار، ومحاولة مشابهة لأمين الصيرفي وخالد سعيد مرسي وعبد الله شحاته. كما أقدم أسعد الشيخة على ابتلاع كمية كبيرة من الأدوية بعد خلاف مع ضباط الأمن، فيما لجأ آخرون إلى قطع شرايين أيديهم.
وفي الوقت نفسه؛ يعاني عدد من المعتقلين البارزين من تدهور صحي حاد، بينهم محمد البلتاجي الذي نُقل للمستشفى بعد وعكة صحية مفاجئة، وأمين الصيرفي الذي تدهورت حالته بشكل خطير وسط تهديدات تمس أسرته. كما وردت شكاوى عن حرمان السجناء من العلاج ونقل الحالات الحرجة إلى التأديب بدلاً من المستشفى.
ووفقًا للمعايير الدولية لحقوق الإنسان، ومنها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية واتفاقية مناهضة التعذيب، تتحمل الدولة المسؤولية الكاملة عن حياة وسلامة المحتجزين، بغض النظر عن أسباب سجنهم. وينص الدستور المصري نفسه على ضمان الكرامة الإنسانية وحظر التعذيب والإيذاء البدني أو المعنوي.
غير أن الممارسات الموثقة من داخل بعض السجون تشير إلى نمط ممنهج من الانتهاكات، يشمل الحرمان من الرعاية الطبية، العزل الانفرادي التعسفي، وسوء المعاملة، وهو ما قد يُصنّف ضمن المعاملة القاسية واللاإنسانية التي يحظرها القانون الدولي بشكل قاطع.
وتعكس وفاة إبراهيم صقر أثناء أدائه الصلاة، وتصاعد محاولات الانتحار في بدر 3، أزمة هيكلية في نظام الاحتجاز القائم، حيث يُستخدم السجن كأداة للعقاب الجماعي والإذلال بدلًا من أن يكون مكانًا لتطبيق القانون. وما لم يُتخذ تحرّك عاجل وجاد، ستظل حياة آلاف السجناء مهددة، فيما يظل سجل العدالة وحقوق الإنسان في مصر مثقلًا بالمآسي والانتهاكات.
ويشكل ما يجري داخل السجون المصرية، خصوصًا في سجن بدر 3، تهديدًا مباشرًا لحياة المعتقلين، وانتهاكًا واضحًا لالتزامات الدولة أمام المجتمع الدولي. وإن استمرار هذه الانتهاكات يفرض ضرورة عاجلة لفتح تحقيقات مستقلة وشفافة، والسماح للمنظمات الحقوقية واللجان الدولية بزيارة السجون، وضمان تمتع السجناء بحقوقهم الأساسية في العلاج، والاتصال بالعالم الخارجي، والمحاكمة العادلة.