أحالت نيابة أمن الدولة العليا في مصر الناشط الطالبي معاذ الشرقاوي و70 مواطناً آخرين إلى المحاكمة الجنائية، في إجراء يعكس تصعيداً جديداً في الملاحقة الأمنية للنشطاء والمعارضين، عبر اتهامات فضفاضة تتصل بالتعبير والتنظيم السلمي، في سياق باتت فيه الأجهزة الأمنية توظف القضاء كأداة لقمع الحريات.
وتتضمّن لائحة الاتهامات “نشر أخبار كاذبة”، و”الانضمام إلى جماعة إرهابية”، و”إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي”، وهي اتهامات تتكرر في قضايا مشابهة دون تقديم أدلة مادية تدعمها، ويجري استخدامها بانتظام لتبرير الحبس الاحتياطي الطويل وعزل المتهمين عن العالم الخارجي.
وخضع معاذ الشرقاوي للإخفاء القسري مدة ثلاثة أسابيع عقب اعتقاله في مارس/آذار 2023، دون إخطار ذويه بمكان احتجازه، أو السماح له بالتواصل مع محاميه، وخلال هذه الفترة؛ تعرّض للضرب والتنكيل البدني وهو معصوب العينين، واحتُجز في مكان غير معلوم، في خرق واضح للدستور المصري، والقانون الوطني نفسه، الذي يفرض قيوداً على مدة ومكان الاحتجاز.
ويتعرض المتهمون في مثل هذه القضايا لعزلة قانونية متعمدة، حيث يُحرمون من الحق في الدفاع الفعلي، ويُمنعون من الاطلاع على ملف القضية أو اللقاء بمحاميهم في ظروف تحفظ خصوصية المشورة القانونية، وهو ما يقوّض جوهر العدالة ويجعل من المحاكمات مجرد غطاء قانوني للانتهاك.
ويعكس التحجج بالأمن القومي لتجريم التعبير السلمي، والتعامل مع التدوينات أو المواقف المعارضة على مواقع التواصل كتهديد للدولة؛ نظاماً يرى في المواطن الواعي خطراً، لا طرفاً في الحياة العامة، لتصبح حيازة منشورات أو المشاركة في تجمع لا يتجاوز خمسة أفراد؛ أعمالاً إرهابية في قوالب الاتهام الجاهزة، ما يكشف زيف المزاعم الرسمية حول احترام القانون.
إن ما يتعرض له معاذ الشرقاوي وغيرُه من المعتقلين هو نتيجة مباشرة لغياب الرقابة والمحاسبة، ولتغوّل الأجهزة الأمنية على سلطات القضاء، وإن استمرار هذه الممارسات دون مساءلة سيؤدي إلى المزيد من تقويض الثقة بالمؤسسات العامة، ويعمّق الانقسام المجتمعي ويُطيل أمد الأزمة الحقوقية في مصر.
وفي هذا السياق؛ يتوجب الإفراج حالاً عن المعتقلين في هذه القضايا، بل مساءلة كل من تورّط في الانتهاكات بحقهم، من ضباط ومسؤولين ومحققين، وفق مبدأ عدم الإفلات من العقاب، الذي يُعد حجر الزاوية لأي نظام قانوني يحترم نفسه.