قالت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا إن قوات الاحتلال الإسرائيلي اقتحمت صباح يوم 8 مايو/أيار 2025 ست مدارس تابعة لوكالة الأونروا في شرقي القدس، وأمرت بإخلائها فورًا، مانعة دخول الطلبة والمعلمين، في خطوة تنفيذية لأوامر الإغلاق الصادرة مسبقًا عن سلطات الاحتلال. الاقتحام تم بمشاركة شرطة الاحتلال، وعناصر من وزارة المعارف والبلدية، وسط تطويق المدارس ومحاصرتها، في مشهد يعكس تعمد استخدام القوة والإرهاب لإرغام الوكالة الدولية على إنهاء خدماتها التعليمية في المدينة.
وقالت الوكالة إن أكثر من 550 طفلًا تتراوح أعمارهم بين 6 و15 عامًا كانوا داخل المدارس أثناء الاقتحام، إلى جانب طواقمهم التعليمية والإدارية، ما تسبب في حالة هلع وصدمة لدى الأطفال، وخوف جماعي من فقدان الحق في التعليم مع قرب انتهاء العام الدراسي. واعتبرت إدارة الأونروا هذا التصعيد انتهاكًا خطيرًا للحصانة التي تتمتع بها مؤسسات الأمم المتحدة، وخرقًا سافرًا للمواثيق الدولية التي تضمن حماية المنشآت التعليمية في مناطق النزاع.
وأضافت المنظمة أن هذا الاقتحام العسكري وما سبقه من تهديدات يندرج ضمن سلسلة متصاعدة من الإجراءات الإسرائيلية الهادفة إلى تصفية عمل الأونروا في القدس، والتي تسارعت منذ أكتوبر/تشرين الأول 2024، حين أقر الكنيست الإسرائيلي قانونين يمنعان الوكالة من العمل داخل ما تسميه إسرائيل “مناطق سيادتها”، ويقضيان بسحب جميع الامتيازات الممنوحة لها، وقطع أي تواصل رسمي معها. تلك القوانين جاءت بعد سنوات من التحريض السياسي، ومحاولات التشكيك في دور الوكالة ومصداقيتها، خصوصًا منذ انطلاق مؤتمر هرتزليا عام 2000، الذي جعل من تفكيك الأونروا بندًا ثابتًا في أجندته.
وأوضحت المنظمة أن استهداف الأونروا لم يكن وليد اللحظة، بل بدأ فعليًا بعد توقيع اتفاقية أوسلو، حين بدأ السعي لتقويض دور الوكالة كشاهد على النكبة ومرجعية دولية لحقوق اللاجئين الفلسطينيين. لاحقًا، خلال ولاية دونالد ترامب، تم تجفيف جزء كبير من تمويل الوكالة، في إطار سياسة متكاملة تستهدف إسقاط مسؤولية المجتمع الدولي تجاه اللاجئين، ودفع نحو خطط لتصفية حق العودة.
وشددت المنظمة على أن إغلاق المدارس في القدس لا يهدد فقط المسيرة التعليمية لـ1100 طالب وطالبة، بل يفتح الباب أمام إجراءات أوسع تطال مجمل خدمات الوكالة، بما في ذلك العيادات الطبية والمراكز الاجتماعية، وهو ما سيؤدي إلى حرمان عشرات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين في القدس من أبسط حقوقهم اليومية، وسط غياب أي بدائل حقيقية، وواقع مالي مأزوم تعانيه الوكالة.
ويعمل في مكتب الأونروا بالقدس أكثر من 550 موظفًا، كثير منهم من حملة الهوية الخضراء الخاصة بالضفة الغربية، وقد مُنعوا منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 من الوصول إلى أماكن عملهم، وتحوّلوا إلى العمل عن بعد من مناطق متفرقة. ومع تصاعد الهجمة، بات مصيرهم المهني مجهولًا، وتُلاحقهم مخاوف فقدان الأمان الوظيفي، في وقتٍ لم تقدم فيه الأمم المتحدة ولا السلطة الفلسطينية خطة واقعية لحمايتهم أو الدفاع عن وجودهم.
وذكرت المنظمة أن الأونروا، رغم التضييق، ما تزال تقدم خدمات إنسانية وتنموية لملايين اللاجئين الفلسطينيين حول العالم، حيث تدير الوكالة 702 مدرسة، تقدم التعليم لأكثر من 543 ألف طالب في الضفة وغزة وسوريا ولبنان والأردن، منهم 46 ألف طالب في الضفة وحدها. تقدم كذلك خدمات الرعاية الصحية لأكثر من 1.9 مليون لاجئ، وتوفر شبكة أمان اجتماعي يستفيد منها 400 ألف شخص، إلى جانب دعم المشاريع الصغيرة بقروض تنموية. يعمل تحت مظلتها 58 مخيمًا للاجئين، وهي الجهة الوحيدة المكلفة دوليًا برعاية هؤلاء اللاجئين منذ عام 1950.
وأكدت المنظمة أن استمرار الاستهداف الإسرائيلي للأونروا، سواء عبر القوانين أو الإجراءات الميدانية أو الحملات الإعلامية، يمثل تهديدًا مباشرًا لبقاء الوكالة، ويهدف إلى شطب قضية اللاجئين الفلسطينيين، وفرض واقع قانوني وسياسي جديد يُعفي الاحتلال من تبعات الجريمة الأصلية: التهجير القسري والطرد الجماعي للفلسطينيين عام 1948.
وأدانت المنظمة بشدة تخلي عدد من الدول الغربية عن مسؤولياتها الأخلاقية والإنسانية، حين علّقت دعمها للوكالة قبل أشهر، استنادًا إلى روايات إسرائيلية كاذبة اتهمت موظفين في الأونروا بالضلوع في أحداث 7 أكتوبر، رغم أن عدد المتهمين لا يتجاوز 12 من أصل أكثر من 30 ألف موظف، ورغم استئناف بعض هذه الدول تمويلها مؤخرًا، فإن موقفها السابق يبقى مؤشرًا خطيرًا على هشاشة الالتزام الدولي تجاه حقوق اللاجئين، وسهولة الانصياع للابتزاز السياسي الإسرائيلي.
وطالبت المنظمة المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته كاملة، والعمل بشكل جاد على حماية وجود الأونروا في القدس وسائر المدن الفلسطينية، وضمان استمرارية خدماتها، ومحاسبة سلطات الاحتلال على انتهاكها المتكرر لحصانة الأمم المتحدة، وحرمانها آلاف الأطفال من حقهم في التعليم.
ودعت المنظمة الدول العربية والإسلامية والداعمة للقضية الفلسطينية إلى التحرك العاجل، وتحويل حالة التفرج والصمت إلى إجراءات عملية فعالة توفر دعم مالي وسياسي ثابت ومستقل يضمن بقاء الأونروا ككيان دولي قائم، وشاهد لا يمكن حذفه من تاريخ النكبة واللاجئين الفلسطينيين.