تابعت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا، بصدمة بالغة تسريب مشاهد مروعة للنائب الليبي إبراهيم الدرسي، المختطف منذ عام، وهو محتجز في مكان مجهول داخل زنزانة ضيقة، مقيدًا من عنقه بسلاسل حديدية، ويظهر عليه آثار التعذيب السادي، وقد بدا أنه يُجبر على توجيه مناشدات مذلة لقادة القوات المسيطرة على شرق ليبيا، وعلى رأسهم خليفة حفتر وابنه صدام.
هذه المشاهد التي وثّقتها مصادر إعلامية دولية وتحققت منها منظمات مستقلة، تُعد أول دليل مرئي قاطع على أن النائب، الذي يتمتع بحصانة برلمانية كاملة، تعرّض لجريمة اختفاء قسري منذ اختطافه في بنغازي في مايو 2024، على خلفية مواقفه السياسية وانتقاده لتغلغل عائلة حفتر في مشاريع الإعمار ومفاصل الدولة شرق البلاد.
إن ما كُشف عنه لا يمكن اعتباره مجرد انتهاك فردي، بل هو جزء من سياسة ممنهجة تتبعها السلطات المسيطرة على شرق ليبيا لإرهاب أي صوت معارض، حتى وإن كان من داخل البرلمان ذاته. إن معاملة نائب منتخب بهذه الوحشية، وإخفاءه قسريا لعام كامل دون محاكمة أو اعتراف رسمي بمكان احتجازه، يُعد جريمة دولية بامتياز ترقى إلى مصاف الجرائم ضد الإنسانية التي لا تسقط بالتقادم، ويُسأل عنها كل من خطط وأمر ونفّذ وسكت وغطّى.
لقد جاءت ردود الفعل من الحكومة المعترف بها دوليًا في طرابلس، والمجلس الرئاسي، ولجنة حقوق الإنسان في ليبيا، لتؤكد حجم الجريمة وهول الانتهاك. غير أن ردود ميليشيات شرق ليبيا، وعلى رأسها جهاز الأمن الداخلي في بنغازي، كانت محاولة مكشوفة للإنكار والتضليل، عبر التشكيك بصحة المقاطع وادعاء فبركتها بتقنيات الذكاء الاصطناعي، في استخفاف فج بوعي الليبيين والمجتمع الدولي على حد سواء.
ومما يزيد من جسامة الجريمة أن الجهات التي يُشتبه بتورطها في احتجاز الدرسي هي ذاتها التي تسيطر على الأجهزة الأمنية والنيابة العامة شرق البلاد، مما يحوّل الجهة المتهمة إلى من يُفترض بها التحقيق، ويقضي تمامًا على أي أمل في مساءلة محلية عادلة وشفافة.
وفي هذا السياق، لا يمكن فصل هذه الجريمة عن الدعم السياسي والعسكري واللوجستي الذي تحظى به سلطات الأمر الواقع في شرق ليبيا من قبل دول إقليمية ودولية على رأسها الإمارات والنظام المصري، والتي ساهمت بشكل مباشر في تعزيز نفوذه وفرضه كأمر واقع لا مفر منه.
إن استمرار الإفلات من العقاب، والتمرد على القانون الدولي، ما كان له أن يحدث لولا رعاية مباشرة أو ضمنية من قوى خارجية استخدمت ليبيا ساحة لتصفية الحسابات وتبادل النفوذ، على حساب كرامة الإنسان الليبي وحقوقه الأساسية.
إن المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا تؤكد أن قضية إبراهيم الدرسي تمثل لحظة اختبار فاصلة للمجتمع الدولي، ولا يمكن السماح بتكرار سيناريو النائبة سهام سرقيوة، التي اختُطفت من بنغازي عام 2019 ولم يُعرف مصيرها حتى اليوم، في ظل صمت مطبق من سلطات الأمر الواقع.
وتطالب المنظمة المجتمع الدولي، وعلى رأسه الأمم المتحدة ومجلس الأمن ومحكمة الجنايات الدولية، بالتحرك الفوري لفتح تحقيق دولي مستقل، شامل وشفاف، في قضية اختطاف وتعذيب النائب إبراهيم الدرسي، مع ضمان إدراجها ضمن ملفات المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بليبيا، ومساءلة كل من يثبت تورطه فيها، بمن فيهم القيادات العسكرية والسياسية في الشرق الليبي، وداعميهم الإقليميين والدوليين.
كما تدعو المنظمة كافة القوى الوطنية الليبية، وأعضاء مجلس النواب الليبي، إلى عدم التواطؤ بالصمت، والعمل من أجل كشف الحقيقة كاملة، والتصدي لتفشي ظاهرة الاعتقال السياسي والإخفاء القسري التي صارت سلاحًا لإرهاب الخصوم وتصفية المعارضين.