في مشهد يعكس أبشع صور الانهيار الإنساني المتعمد؛ يتواصل استخدام التجويع كسلاح ممنهج في قطاع غزة، وسط صمت دولي وتواطؤ فعلي من قوى كبرى.
واليوم الأربعاء؛ أعلنت وزارة الصحة في غزة، عن ارتفاع عدد القتلى جراء سياسة التجويع التي يفرضها الاحتلال على القطاع منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى 193 قتيلاً، من بينهم 96 طفلاً، وذلك عقب وفاة 5 حالات جديدة خلال 24 ساعة فقط.
وسجّلت مستشفيات القطاع هذه الوفيات بسبب المجاعة وسوء التغذية، في وقت لم تعد فيه المراكز الصحية قادرة على التعامل مع تفاقم الحالات الحرجة، لا سيما بين الأطفال وكبار السن، نتيجة نقص حاد في الغذاء والدواء والطاقة.
ورغم وجود آلاف الشاحنات المحملة بالمساعدات على مداخل القطاع، يواصل الاحتلال فرض قيود مشددة على دخولها أو التحكم في توزيعها بعيداً عن إشراف الأمم المتحدة، ما يجعلها سلاحاً آخر بيد من يشنون هذه الحرب.
وبحسب المكتب الإعلامي الحكومي في غزة؛ فإن الاحتلال ورغم “سماحه” منذ 27 أغسطس/آب بدخول عدد محدود من الشاحنات، إلا أنه يسهل سرقتها ويغض الطرف عن نهب محتوياتها، في ظل حاجة القطاع إلى ما لا يقل عن 600 شاحنة يومياً لتجنب المجاعة الكاملة.
ووفق قواعد القانون الدولي؛ فإن التجويع المتعمد للمدنيين كأداة حرب يرقى إلى جريمة حرب، بل جريمة إبادة جماعية عندما يكون جزءاً من سياسة موجهة لتدمير جماعة قومية أو عرقية جزئياً أو كلياً. وفي الحالة الغزّية، فإن الحصار الشامل، ومنع الغذاء والدواء، وتدمير البنية الصحية، كل ذلك يجتمع في سياق ممنهج يؤكد وجود نية تدميرية كلية بحق سكان القطاع.
إن الاستهداف المستمر للأطفال والنساء، وتركهم فريسة للجوع، لا يمكن تبريره تحت أي غطاء أمني أو عسكري. بل هو تعبير صارخ عن عقيدة عقابية جماعية تخرج من إطار النزاع المسلح إلى جرائم ضد الإنسانية تستدعي المساءلة، لا التعامي الدولي.
ومنذ بداية العدوان قبل 22 شهراً، خلّفت حرب الإبادة المدعومة أمريكياً أكثر من 211 ألف فلسطيني بين قتيل وجريح، معظمهم من النساء والأطفال، إضافة إلى أكثر من 9 آلاف مفقود تحت الأنقاض، ونزوح مئات الآلاف، وانهيار شامل لمنظومة الحياة.
واليوم؛ باتت المجاعة وجهاً آخر من وجوه الموت في غزة، لا تأتي بقنابل أو صواريخ، بل ببطء قاتل، يتسلل إلى أجساد الصغار في صمت، لكنه لا يقل فتكاً عن نيران الطائرات، في مجزرة طويلة النفس، لن تنتهي إلا بتحرك دولي حقيقي يوقف هذه الكارثة، ويضع مرتكبيها في قفص العدالة.