قالت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا إن الاحتلال الإسرائيلي، بعد عام من الإبادة الجماعية في قطاع غزة، يسعى إلى القضاء على كل مظاهر الحياه في شمال القطاع عبر تصعيد القتل بكافة أنواع الأسلحة الفتاكة، فمنذ الأول من أكتوبر/تشرين الأول، بدأت قوات الاحتلال بتنفيذ خطة لعزل الشمال بالكامل، عبر فرض حصار خانق ومنع كافة المساعدات الإنسانية فمن لا يقتل بالقصف يموت جوعا وعطشا، وقد بلغت ذروة هذه العمليات في 12 أكتوبر 2024، ضمن ما يسمى بـ “خطة الجنرالات” التي روج لها مسؤولون إسرائيليون، والتي تهدف إلى إفراغ شمال القطاع من سكانه بشكل كامل من خلال قصف مكثف يستهدف كافة مظاهر الحياة.
وأضافت المنظمة أن هذا العدوان، الذي يتم تنفيذه بأوامر مباشرة من حكومة فاشية، يترافق مع دعوات متواصلة لإجلاء من تبقى من السكان إلى مناطق أخرى، مؤكدة أن هذا النزوح بات شبه مستحيل، نظراً لصعوبة التحرك بسبب دمار الطرق ووجود أشخاص عاجزين أو مرضى لا يمكنهم الانتقال. بالإضافة إلى ذلك، هناك مخاوف كبيرة بين السكان من استهدافهم أثناء النزوح، خاصة بعد قصف قوافل النازحين سابقاً. وحتى الأماكن التي تدعي إسرائيل أنها آمنة، مثل منطقة المواصي والتي يُطلب من النازحين التوجه إليها، تعرضت للقصف أكثر من 18 مرة، مما يدل على تعمد الاحتلال تدمير أية ملاذات آمنة للمدنيين.
وأشارت المنظمة إلى أن القطاع الصحي في شمال غزة يعاني من شلل تام جراء الحصار الخانق الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي والذي يشمل منع إدخال الأدوية والوقود اللازم لتشغيل المستشفيات بينما تتعرض المستشفيات المتبقية، كمال عدوان والعودة والإندونيسي، لضغوطات شديدة لإخلائها من المرضى والكوادر الطبية، ويتزامن ذلك مع توافد أعداد كبيرة من المصابين إصابات خطيرة نتيجة القصف المستمر، ليصبح الانهيار الكامل للمنظومة الصحية وشيك للغاية.
ولفتت المنظمة إلى أن مجازر الاحتلال استهداف الأطفال أصبح سمة متكررة ففي 13 أكتوبر 2024، قصفت قوات الاحتلال ملعبًا للأطفال في مخيم الشاطئ، مما أدى إلى مقتل خمسة أطفال، وفي نفس اليوم، قصفت مدرسة المفتي في مخيم النصيرات التي تأوي نازحين، مما أسفر عن استشهاد 22 مدنيًا، من بينهم 15 طفلاً وامرأة، إلى جانب إصابة 80 آخرين بجروح متفاوتة.
وفي مجزرة مروعة فجر 14 أكتوبر، استهدفت طائرات الاحتلال خيامًا للنازحين في مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح، ما أدى إلى مقتل أربعة أشخاص على الأقل وإصابة آخرين، وأظهرت مقاطع مصورة مأساوية جثث الأطفال والشيوخ المتفحمة، وأحد الضحايا الأحياء الذي يحترق حيا دون أن يتمكن أحد من إنقاذه بعد أن اندلعت النيران في الخيام بسبب القصف، في مشاهد تُظهر حجم الجريمة وفظاعتها، ليواجه النازحون المحاصرون، الذين فروا من منازلهم بسبب القصف، القتل والتجويع حتى في أماكن إيوائهم المؤقتة.
وفي مقطع صوتي حصلت عليه المنظمة أفاد أحد سكان شمال قطاع غزة أن “الأوضاع هناك تتفاقم بشكل كارثي. الجثث ملقاة في الشوارع منذ أيام، والعائلات لا تستطيع دفن ذويها بسبب الحصار. المنطقة مقطوعة عن غزة بالكامل، في مشهد أشبه بكمين خانق. السكان يعانون من نقص حاد في الطعام والماء، وبدأت حالات الجوع والعطش تظهر بشكل واضح، مع انقطاع الإمدادات الأساسية تمامًا. الاحتلال يستخدم الآليات المتفجرة التي تجوب الشوارع بشكل عشوائي، مما يضيف مزيدا من الرعب والدمار”.
واستهجنت المنظمة موقف دول التطبيع العربي الذين لم يتأثروا نهائياً بما تنقله منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الاعلام من مشاهد القتل والحرق والدمار والتجويع فأبقوا على تطبيعهم غير آبهين في حين أن دول مثل نيكاراغوا وكولمبيا وبوليفيا تلك الدول البعيدة قطعت علاقتها مع الكيان احتجاجاً على الإبادة.
ودعت المنظمة كافة نشطاء حقوق الإنسان وأصحاب القيم الإنسانية، من المؤثرين والفنانين والكتاب، إضافة إلى الحركات الطلابية ومنظمات المجتمع المدني حول العالم، إلى رفع أصواتهم دعمًا لسكان شمال غزة والقطاع عموما الذين يواجهون إبادة جماعية غير مسبوقة. وأكدت المنظمة على ضرورة تنسيق الجهود للضغط على الحكومات لاتخاذ موقف صارم ضد جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل بوضوح، دون رادع وتحت سمع وبصر العالم أجمع.
كما شددت المنظمة على أهمية التحرك الشعبي المنظم لدعم الشعب الفلسطيني، ودعت إلى تكثيف الجهود للضغط على الحكومات لاتخاذ إجراءات جدية لوقف العدوان وحماية المدنيين الأبرياء، خاصة تلك الدول التي تسهم في استمرار الإبادة عبر تزويد الاحتلال بالأسلحة الفتاكة. وطالبت بتدخل فوري من المجتمع الدولي لوقف هذه المجازر، وإنشاء ممرات إنسانية لإيصال المساعدات الضرورية للسكان المحاصرين، إضافة إلى محاسبة القادة الإسرائيليين أمام المحاكم الدولية عن هذه الجرائم المروعة.
وأدانت المنظمة تلكؤ وتأخير المحكمة الجنائية الدولية في إصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء نتنياهو ووزير دفاعه غالانت، فقد مضى أكثر من أربعة شهور على الطلب الذي قدمه مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية لإصدار هذه المذكرات إلى الغرفة التمهيدية لكن حتى اللحظة لم يصدر عن الغرفة أي قرار مما يشي أن هذه المحكمة رضخت للتهديدات التي يمارسها الكيان وحلفاؤه عليها، فبعد ما ارتكبوا من جرائم خطيرة يريدون الإفلات من العقاب عبر قتل العدالة.