قُتل عشرات الفلسطينيين، بينهم طالبو مساعدات وسكان مدنيون، في سلسلة غارات وقصف وإطلاق نار نفّذتها قوات الاحتلال على مناطق متفرقة من قطاع غزة منذ فجر الجمعة، في سياق حرب إبادة جماعية تدخل شهرها الـ21، وسط غياب المساءلة الدولية الفعالة، وتجاهل تام للأوامر القضائية الدولية المطالبة بوقف هذه الجرائم.
ووفق مصادر طبية وشهود عيان؛ شهد حي التفاح شرق مدينة غزة مجزرة جديدة، حيث استهدفت طائرة مُسيّرة مجموعة من المدنيين قرب مدرسة شعبان الريس، ما أسفر عن مقتل 8 أشخاص وإصابة عدد غير محدد.
وتزامناً مع هذه المجزرة؛ قتلت البحرية الإسرائيلية صياداً فلسطينياً وأصابت آخر أثناء مزاولتهما عملهما قبالة شاطئ غزة، في استمرار لاستهداف سبل العيش ومصادر البقاء القليلة المتبقية لسكان القطاع المحاصر.
وفي محيط “محور نتساريم” وسط القطاع، قصفت قوات الاحتلال مجموعة من المدنيين الذين كانوا ينتظرون مساعدات غذائية بالقرب من مركز توزيع مشترك (إسرائيلي-أمريكي)، مما أدى إلى مقتل فلسطيني وإصابة 43 آخرين، في مشهد يتكرر يومياً ويعكس استهدافاً ممنهجاً لاحتياجات السكان الأساسية.
جنوباً، في مدينة خان يونس، قُتل فلسطينيان وأصيب آخرون جراء إطلاق النار على مدنيين قرب مركز مساعدات، فيما أودى قصف ليلي بحياة 7 آخرين، بينهم ثلاثة في غارة استهدفت خيمتهم في منطقة المواصي، في حين قُتل آخرون إثر قصف تجمعات للمدنيين وقصف مدفعي على حي الشيخ ناصر.
إن ما تشهده غزة منذ السابع من أكتوبر 2023، ليس فقط عدواناً متواصلاً بل نمطاً من الجرائم المنهجية واسعة النطاق التي تنطبق عليها سمات الإبادة الجماعية، حيث تُستهدف فئات محمية بموجب القانون الدولي الإنساني، ويُمارس بحقهم القتل والتجويع والتهجير والتدمير المنهجي للبنية التحتية المدنية، بما في ذلك المستشفيات، ومراكز الإيواء، ومصادر المياه والطاقة.
ولا يمكن فصل هذه الأفعال المقترنة بالتصريحات العلنية الصادرة عن مسؤولين إسرائيليين بشأن نيتهم محو القطاع، عن نية واضحة لتدمير جماعة قومية بشكل جزئي أو كلي، وهو ما يجعل التوصيف القانوني لإبادة جماعية ليس مجرد توصيفاً سياسياً أو إعلامياً، بل واقعاً يستند إلى معايير اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية لعام 1948.
وحتى اليوم، تجاوز عدد القتلى والجرحى الفلسطينيين في غزة 189 ألفاً، يشكّل الأطفال والنساء النسبة الأكبر منهم، إلى جانب أكثر من 11 ألف مفقود يُخشى أن يكونوا تحت الأنقاض، ومجاعة خانقة حصدت أرواح الآلاف، بينهم رُضّع. كما نزح مئات الآلاف من منازلهم قسراً دون ملاذ آمن، في وقت تُقيد فيه قوات الاحتلال وصول المساعدات وتستهدف خطوط الإغاثة بشكل مباشر.
ورغم أن محكمة العدل الدولية أصدرت أوامر ملزمة بوقف العمليات التي تنطوي على انتهاكات جسيمة ضد المدنيين، فإن الاحتلال يواصل عدوانه دون رادع، مع دعم أمريكي مكشوف، ما يفضح التمييز في إنفاذ العدالة الدولية، ويشكك بجدية المنظومة الحقوقية العالمية تجاه ضحايا الجرائم الجماعية في العالم غير الغربي.
إن ما يحدث في غزة هو إخفاق مزدوج: أخلاقي من جانب المجتمع الدولي، وقانوني من جانب المؤسسات التي أنشئت لحماية المدنيين ومنع الإبادة. وما لم يُتخذ موقف رادع وشامل ضد هذه الانتهاكات، فإن التاريخ سيسجل أن هذه المجازر ارتُكبت أمام أعين العالم، ولم يتحرك أحد.