في مشهد متكرر يعكس عمق الكارثة الإنسانية في قطاع غزة، قُتل ما لا يقل عن 30 مدنياً وأصيب العشرات، اليوم الأربعاء، بنيران قوات الاحتلال قرب مركز توزيع مساعدات إنسانية في محيط حاجز “نتساريم” وسط القطاع.
وتأتي هذه الجريمة في إطار متصل من استهداف المدنيين العزّل في المناطق التي من المفترض أن تكون ملاذاً آمنا، وذات طابع إنساني صرف.
وبحسب مصادر طبية محلية؛ فإن غالبية القتلى والجرحى كانوا ينتظرون الحصول على مساعدات غذائية أساسية في ظل الانهيار الشامل للبنية التحتية، وشحّ الغذاء والدواء، نتيجة الحصار والعدوان المستمر على القطاع منذ أشهر.
وأفادت المصادر بأن الإصابات تفاوتت بين البالغة والخطيرة، وأن عدد الضحايا مرشح للارتفاع في ظل محدودية إمكانيات القطاع الصحي المنهك.
وفي جريمة أخرى؛ قُتل أربعة مدنيين وأُصيب عدد آخر، إثر قصف شنته طائرة مسيّرة تابعة لقوات الاحتلال على خيمة تؤوي نازحين في منطقة المواصي شمال بلدة القرارة جنوب خان يونس. وقد تزامن ذلك مع قصف مدفعي وجوي على مناطق قيزان أبو رشوان والبطن السمين في المدينة ذاتها.
يُشار إلى أن مراكز توزيع المساعدات، التي يفترض أن تكون مناطق آمنة ومحايدة، تحوّلت في الأيام الأخيرة إلى أهداف مباشرة لآلة القتل، حيث تكررت الهجمات على نقاط المساعدات في رفح ووسط القطاع. وبلغ عدد قتلى منتظري المساعدات منذ بدء آلية توزيعها في 27 مايو 2025 أكثر من 130 قتيلاً، إضافة إلى مئات المصابين.
وتحوّلت مراكز المساعدات، بما فيها تلك التابعة لما يُعرف بـ”مؤسسة غزة للإغاثة الإنسانية”، ذات الخلفية الإسرائيلية الأميركية والمرفوضة أممياً، إلى ساحات قتل جماعي، في مشهد يعكس سياسة ممنهجة لإهانة المدنيين وإجبارهم على النزوح القسري ضمن ظروف معيشية هي الأسوأ منذ عقود.
وتُظهر هذه الوقائع بوضوح نية متعمدة لتدمير الحياة المدنية في غزة، حيث يُستهدف السكان في أدنى أشكال تفاعلهم مع الحياة، من البحث عن الطعام إلى محاولة البقاء على قيد الحياة في العراء، حيث يشكل ذلك ليس فقط انتهاكاً صارخاً لقواعد القانون الدولي الإنساني، بل يرتقي إلى جريمة إبادة جماعية قائمة على محو وجود شعب، عبر القتل المنهجي والتجويع والتهجير القسري، واستهداف مقومات الحياة الأساسية.
ويمثل استمرار استهداف المدنيين ومراكز المساعدات، إلى جانب منع الإغاثة الإنسانية، هجوماً مباشراً على الكرامة الإنسانية، وخرقاً متعدد الأوجه لاتفاقيات جنيف، خصوصاً ما يتعلق بحماية المدنيين في زمن الحرب، ويعكس سياسة واضحة المعالم لهندسة التغيير الديمغرافي في غزة قسراً.
ووسط هذه المجازر؛ يستمر الصمت الدولي في تمكين الاحتلال من التوسع في تنفيذ إستراتيجية القتل الجماعي، دون مساءلة أو ردع، ما يضع النظام العالمي الراهن أمام اختبار أخلاقي وقانوني يتجاوز كونه مسألة سياسية إلى كونه امتحاناً لإنسانية باتت مهددة بالتآكل.