أقدمت السلطات الأردنية على اعتقال صانع المحتوى الشاب أيمن عبلي، عقب ظهوره في مقطع مصوّر تحدّث فيه عن الأوضاع الكارثية في قطاع غزة، منتقداً إقامة مهرجانات واحتفالات في الأردن بالتزامن مع المجاعة التي تضرب القطاع المحاصر.
وبحسب مصادر قريبة من عائلته؛ فقد تم توقيف عبلي من قبل دائرة المخابرات العامة دون مذكرة توقيف قضائية، ودون توجيه تهم رسمية حتى لحظة إعداد هذا التقرير، في ما يُعد خرقاً واضحاً لمبدأ “الاحتجاز المشروع” المنصوص عليه في الدستور الأردني وفي الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان.
وتنص المادة 15 من الدستور الأردني على أن “حرية الرأي مكفولة، ولكل أردني أن يُعبّر بحرية عن رأيه بالقول أو الكتابة أو التصوير وسائر وسائل التعبير”، ويقع اعتقال عبلي خارج إطار هذه الضمانة الدستورية، خاصة أن ما صدر عنه كان تعبيراً سلمياً عن موقف إنساني، دون تحريض أو تهديد أو دعوة إلى العنف.
كما أن هذا الإجراء يُعد مخالفاً للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي انضم إليه الأردن وصادق عليه، والذي يحظر تقييد حرية الرأي والتعبير إلا في حالات استثنائية ضيقة ومُقنّنة، على أن تكون محددة بنص قانوني واضح، وأن تستوفي معايير الضرورة والتناسب. ولا يجوز، بموجب هذا العهد، معاقبة التعبير السلمي لمجرد أنه ينتقد السلطات أو يعارض التوجه الرسمي.
ما جرى مع عبلي يكشف خللاً أوسع في التعامل مع حرية التعبير في الأردن، ويؤشر إلى مناخ من التضييق على الأصوات المستقلة، خصوصاً تلك التي تتناول قضايا العدالة الإقليمية أو تنتقد الانفصام بين الموقف الشعبي والممارسات الرسمية. كما يُسلّط الضوء على غياب الشفافية في الإجراءات الأمنية، والانحراف عن مبدأ سيادة القانون.
وفي السياق نفسه؛ فإن حظر الفعاليات الشعبية المؤيدة لغزة، وتقييد المسيرات والتجمعات السلمية، يُخالف المادة 16 من الدستور، التي تكفل حرية الاجتماع ضمن حدود القانون، ويعكس توجهاً متصاعداً نحو تقليص المساحات العامة التي يُفترض أن تكون مفتوحة أمام التعبير المسؤول والواعي عن القضايا الإنسانية والسياسية.
ولم تكن قضية أيمن عبلي الأولى، ويبدو أنها لن تكون الأخيرة، ما لم تعد السلطات الأردنية النظر في النهج الأمني الذي يتعامل مع التعبير السلمي بوصفه تهديداً. فحرية الرأي ليست امتيازاً تمنحه الدولة، بل حق أصيل لا يجوز مصادرته تحت أي ذريعة، ما دام لا ينطوي على عنف أو تحريض أو تهديد مباشر.
إن الاحتجاز دون أساس قانوني واضح، ومنع المواطنين من التفاعل السلمي مع المآسي الإقليمية، يمثل انتهاكاً مباشراً للمبادئ الأساسية للعدالة والكرامة، ويقوّض ثقة المواطنين في التزامات الدولة الدستورية والدولية.