أقدمت قوات الاحتلال ليلة السبت/الأحد، على اقتحام سفينة “حنظلة”، التي كانت تبحر في مهمة إنسانية تحمل على متنها متضامنين دوليين يسعون إلى كسر الحصار البحري المفروض على أكثر من 2.4 مليون فلسطيني في غزة، في خرق فاضح للقانون الدولي الإنساني وقانون البحار.
وأظهر بث مباشر لحظة الاقتحام، حيث اقتحمت قوات الاحتلال السفينة وهي في المياه الدولية، مدججة بالسلاح، وأجبرت المتضامنين على رفع أيديهم، قبل أن ينقطع البث بشكل مفاجئ. ولم يُعرف بعد مصير الركاب والطاقم، وسط مخاوف متصاعدة على سلامتهم.
وكانت السفينة التي أبحرت من ميناء سيراكوزا الإيطالي في 13 يوليو/تموز، قد توقفت لاحقاً لأسباب تقنية في غاليبولي، واستأنفت رحلتها في 20 من الشهر ذاته، وكانت على وشك الوصول إلى سواحل غزة عندما أطلقت نداء استغاثة بعد أن طوقتها زوارق الاحتلال الحربية، في وقت شوهدت فيه طائرات مسيّرة تحلق فوقها.
ويشكل هجوم الاحتلال على السفينة جريمة قرصنة بحرية موصوفة، كونه جرى خارج المياه الإقليمية للاحتلال، واستهدف سفينة مدنية لا تحمل أي تهديد. ويضرب هذا الفعل بالقوانين والأعراف الدولية عرض الحائط، لا سيما اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار (UNCLOS)، التي تضمن حرية الملاحة وسلامة السفن الإنسانية في البحار الدولية.
ولكن هذا الاعتداء لا يُفهم إلا في السياق العام لجريمة أكبر تُرتكب في غزة، وهي حرب إبادة جماعية متكاملة الأركان، يتداخل فيها القتل الجماعي بالتجويع المنهجي والتدمير واسع النطاق والتهجير القسري، منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ففي ظل الحصار الخانق، ومنع إدخال الغذاء والدواء منذ مطلع مارس/آذار، أصبحت المجاعة أداة قتل جماعي موازية للقصف والتجريف والقتل المباشر. وظهرت على الأطفال والمرضى في غزة علامات سوء تغذية حاد، بينما تفيد التقارير الميدانية بموت العشرات جوعاً، في ظل تجاهل دولي يرقى إلى التواطؤ.
ولم يكن الهجوم على “حنظلة” الأول من نوعه، فقد سبق لقوات الاحتلال أن سيطرت في يونيو/حزيران الماضي على سفينة “مادلين”، واعتقلت 12 متضامناً أجنبياً، قبل أن ترحلهم قسرياً. وفي مايو/أيار، تعرضت سفينة “الضمير” لهجوم بطائرة مسيّرة، ما تسبب بثقب هيكلها واندلاع النيران فيها.
وتؤكد هذه الجرائم المتكررة أن الاحتلال يتعامل مع المبادرات الإنسانية باعتبارها تهديدات عسكرية، ما يكشف عن نزعته الاستئصالية وسعيه لمنع أي تدخل يفضح جرائمه أو يخفف من معاناة سكان غزة.
وتكمن خلف هذه الانتهاكات حقيقة واضحة، هي أن الاحتلال يمارس سلطة الأمر الواقع على قطاع غزة لا باعتباره ساحة معركة، بل باعتباره ساحة لإبادة ممنهجة، ضحاياها أكثر من 204 آلاف قتيل وجريح، جلهم من النساء والأطفال، ونحو 9 آلاف مفقود تحت الأنقاض، ومئات آلاف النازحين الهائمين في العراء بلا مأوى ولا غذاء.
إن المجتمع الدولي، الذي يكتفي بالبيانات، مطالب بأن يخرج من صمته المطبق، ويتحرك بشكل فاعل لوقف هذه الكارثة، فتوفير الحماية للمدنيين في غزة، وللقوافل الإنسانية المتجهة إليها، ليس خياراً سياسياً، بل التزام قانوني وأخلاقي بموجب اتفاقيات جنيف ومبادئ القانون الدولي الإنساني.