أصدرت محكمة أمن الدولة الأردنية، الأربعاء، سلسلة من الأحكام في قضايا وُصفت بالأمنية، شملت ما يعرف إعلامياً بـ”قضية تصنيع الصواريخ والتجنيد والتدريب”، إضافة إلى “قضية الدرونز”، والتي حظيت بمتابعة واسعة من الرأي العام بعد أن كانت الأجهزة الأمنية قد بثّت مقاطع مصوّرة تتضمن اعترافات نسبت إلى عدد من المتهمين.
وبحسب وكالة الأنباء الأردنية (بترا)؛ فقد قررت المحكمة عدم مسؤولية أربعة متهمين في قضية الطائرات المسيرة، وأمرت بالإفراج عنهم فوراً، بعد ثبوت عدم تورطهم في أي نشاط غير قانوني يتعلق بتسيير أو تطوير الطائرات المسيّرة.
وفي المقابل، أصدرت المحكمة أحكاماً بالسجن ثلاث سنوات وأربعة أشهر من الأشغال المؤقتة بحق ستة متهمين في قضيتي التجنيد والتدريب، بعد إدانتهم بمحاولات استقطاب وتجنيد أفراد وتوفير تدريبات تخالف القانون.
كما قضت المحكمة في قضية تصنيع الصواريخ بعقوبات بلغت حتى 15 عاماً من الأشغال المؤقتة، بعد إدانة عدد من المتهمين بتصنيع وتخزين مكونات صاروخية دون ترخيص وبأغراض غير مشروعة.
وتفتح تبرئة جميع المتهمين في قضية الطائرات المسيّرة رغم عرض اعترافاتهم المصوّرة مسبقاً عبر وسائل إعلام رسمية، باب التساؤلات حول مصداقية هذا النوع من الاعترافات، ومدى سلامة الإجراءات التي تُتخذ قبل وأثناء التحقيق.
فإذا كانت المحكمة – وهي الجهة القضائية الأعلى اختصاصاً في مثل هذه القضايا – قد رأت أن الأدلة لا ترقى إلى مستوى الإدانة؛ فإن ذلك يعني ضمنياً أن الاعترافات التي بُنيت عليها تلك الروايات لم تكن كافية أو موثوقة قانونياً، ما يلقي بظلال من الشك على الاعترافات المماثلة التي تُبث في قضايا أخرى، بعضها ما زال قيد النظر.
ويثير هذا التطور تساؤلات أوسع حول حق المتهم في محاكمة عادلة، وضرورة أن تبقى “الاعترافات” داخل أروقة القضاء لا على شاشات الإعلام، حفاظاً على مبدأ قرينة البراءة وضمان عدم التأثير في مجريات العدالة.
ورغم أن المحكمة اعتبرت بعض التهم في قضيتي “التجنيد والتصنيع” تمس أمن الدولة؛ فإن طبيعة الاتهامات نفسها – كالسعي لتطوير قدرات قتالية أو دعم مقاومات خارجية – قد تُقرأ في سياق مختلف، إذا ما نظر إليها من زاوية الدوافع لا الوسائل.
فالكثير من هذه القضايا، وفق ما يتضح من مضامين لوائح الاتهام، ترتبط بمحاولات دعم المقاومة الفلسطينية أو مساعدة قوى تواجه الاحتلال، وهي أعمال لا تُعد جرائم من حيث المبدأ في ضوء القانون الدولي الإنساني الذي يقرّ بحق الشعوب في مقاومة الاحتلال الأجنبي، وإن كانت القوانين المحلية قد تجرّم الوسائل أو الأنشطة المرتبطة بها داخل الإقليم الوطني.
وعليه؛ فإن هذه الأحكام تطرح تساؤلات أوسع حول الحد الفاصل بين حفظ الأمن الداخلي وبين تجريم المواقف السياسية أو الوطنية، خاصة في ظل اتساع رقعة التضامن الشعبي مع الشعب الفلسطيني وعدالة قضيته.
وفي المحصلة؛ تأتي هذه الأحكام ضمن سياق تشدد رسمي متزايد تجاه الأنشطة التي تصنَّف بأنها “تمس الأمن الوطني”، لكن تبرئة متهمي قضية الدرونز تُعد مؤشراً مهماً على إمكانية أن تنتصر العدالة على الضغوط الإعلامية والأمنية. كما تعيد فتح النقاش حول مبدأ علنية القضاء واستقلاله، وأهمية مراجعة منهجية بثّ الاعترافات قبل صدور الأحكام، بما يحفظ هيبة القضاء وحقوق المتهمين على حد سواء.