“عشنا الموت داخل السجون، واليوم وُلدنا من جديد”، بهذه الكلمات اختصر الأسير المحرر هيثم جابر معاناته الطويلة في سجون الاحتلال الإسرائيلي، حيث أمضى أكثر من عقدين خلف القضبان، عايش خلالها ظروفًا قاسية، من تعذيب وإهمال طبي وانتهاكات متواصلة لحقوق الأسرى.
مع جابر، خرج أمس الأسيران المحرران علي فرج الله وأشرف نوفل ضمن الدفعة الثالثة من صفقة التبادل بين الاحتلال وفصائل المقاومة الفلسطينية، ليكشفوا عن فصول قاسية من معاناة الأسرى، وسط انتهاكات متزايدة منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة في أكتوبر 2023.
ويصف هيثم جابر، الذي قضى 23 عامًا في الأسر، معاملة الاحتلال للأسرى بأنها “أقل من معاملة الحيوانات”، مشيرًا إلى أن إدارة السجون مارست بحقهم “أبشع أشكال القهر والإذلال”. وقال جابر: “في الزنزانة التي كنت بها، استشهد رفيقنا الأسير ثائر أبو عصب، ولم يُسمح لنا حتى بتوديعه”.
وأضاف جابر: “ظروف السجن باتت أكثر قسوة منذ بداية الحرب، كانت هناك عمليات تعذيب ممنهجة، وحرمان من الطعام والدواء، وإهانات لا يتحملها بشر”.
من الموت إلى الحياة
أما الأسير علي فرج الله، الذي أمضى 20 عامًا في الأسر، فقد شبه الإفراج عنه بـ”العودة إلى الحياة من جديد”، لكنه عبّر عن ألم الفراق لرفاقه الذين تركهم خلفه داخل السجون. وقال: “السجون الإسرائيلية موت بلا حياة، كنا نعاني الأمرّين، والحرية بالنسبة لنا كانت مجرد حلم بعيد المنال”.
خلال سنوات أسره، فقد فرج الله والديه وشقيقه الأكبر دون أن يُسمح له حتى بإلقاء نظرة الوداع عليهم. وعن الساعات الأخيرة قبل الإفراج عنه، وصفها بـ”الأصعب على الإطلاق”، قائلاً: “كنت بين الفرح والخوف، لا أصدق أنني سأخرج بعد هذه السنوات الطويلة”.
لقاء بعد 24 عامًا
وبالنسبة للأسير المحرر أشرف نوفل، كان اللقاء الأول بابنه بعد 24 عامًا من الأسر هو اللحظة التي “توقف فيها الزمن”، حيث عانق نجله الذي وجده شابًا يفوقه طولًا. يقول نوفل: “كنت أعيش في مقبرة، واليوم هو ميلادي الجديد، لم أصدق أنني سأرى ابني بهذا العمر، لم تتح لي الفرصة حتى لألمس يديه حين كان طفلًا”.
نوفل، الذي حُكم عليه بالسجن 40 عامًا وأمضى منها 24 عامًا، وصف السجون الإسرائيلية بأنها “محطات نضالية يعيش فيها الأسرى بين العذابات اليومية”، مشيرًا إلى أن الظروف تفاقمت منذ اندلاع العدوان الأخير على غزة، حيث تحولت الزنازين إلى “مراكز تعذيب ممنهجة”.
ومنذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة في 7 أكتوبر 2023، تصاعدت الانتهاكات بحق الأسرى الفلسطينيين في السجون، حيث أبلغت مؤسسات حقوقية عن عمليات تعذيب ممنهج، وحرمان الأسرى من الغذاء والرعاية الطبية، إضافة إلى إجراءات عقابية مشددة مثل العزل الانفرادي وسحب الحقوق الأساسية.
ويؤكد نوفل أن الاحتلال تعمد “التنكيل بالأسرى بشكل غير مسبوق”، إذ تم “تقليل كميات الطعام إلى الحد الأدنى، وسحب الأغطية والملابس الشتوية، ومنع الزيارات العائلية”، مشددًا على أن ما يجري داخل المعتقلات “جريمة حرب تستوجب المحاسبة الدولية”.
ويأتي الإفراج عن الأسرى ضمن المرحلة الثالثة من صفقة التبادل، التي شهدت إطلاق سراح 110 أسرى فلسطينيين، بينهم أطفال وذوو أحكام عالية، مقابل إفراج فصائل المقاومة في غزة عن ثلاثة إسرائيليين وخمسة أجانب.
وبينما احتفل المحررون بالحرية، يبقى آلاف الأسرى داخل الزنازين، يواجهون صنوف القمع والانتهاكات.
ومع تصاعد وتيرة الجرائم الإسرائيلية في الحرب الجارية، يزداد ملف الأسرى تعقيدًا، وسط دعوات حقوقية لمحاسبة الاحتلال على انتهاكاته المستمرة لحقوق المعتقلين الفلسطينيين.