في خطوة تكشف حجم التوظيف السياسي للقضاء الإماراتي، رفضت المحكمة الاتحادية العليا جميع الطعون المقدمة من المحكوم عليهم في قضية “العدالة والكرامة” أو ما يعرف إعلاميًا بـ”الإمارات 84”، وأكدت الأحكام القاسية الصادرة بحقهم، والتي شملت السجن المؤبد لـ43 شخصًا، وأحكامًا بالسجن لمدة 15 عامًا لخمسة آخرين، بالإضافة إلى أحكام بالسجن لمدة 10 سنوات وغرامات مالية تصل إلى 10 ملايين درهم.
تعد هذه القضية امتدادًا لسلسلة من المحاكمات السياسية التي تستهدف المعارضين والنشطاء السلميين في الإمارات، حيث استخدمت السلطات القضاء كأداة للانتقام من الأصوات المطالبة بالإصلاح، مستندةً إلى تهم فضفاضة وملفات أمنية مُعدة مسبقًا دون أدلة مادية موثوقة.
قضاء مسيّس وأحكام مبنية على تقارير أمنية
تؤكد هذه المحاكمة على أن النظام القضائي في الإمارات لا يعمل وفق أسس العدالة، بل يخضع بالكامل لإملاءات الأجهزة الأمنية، حيث تصدر الأحكام بناءً على تقارير أمنية معدة مسبقًا، دون السماح بالدفاع الفعلي عن المتهمين أو منحهم محاكمات شفافة ونزيهة، حيث تُعقد المحاكمات في سرية تامة، ولا يُسمح للمراقبين الدوليين أو الصحافة بحضور الجلسات، كما يتم استبعاد الأدلة التي قد تبرئ المتهمين.
كما يتم إجبار المتهمين على الإدلاء باعترافات تحت التعذيب وسوء المعاملة، وهي ممارسة وثقتها منظمات حقوقية دولية في السجون الإماراتية، حيث يواجه المعتقلون أشكالًا متعددة من التعذيب الجسدي والنفسي، بما في ذلك العزل الانفرادي لفترات طويلة، الحرمان من الرعاية الطبية، والإهانات المستمرة.
محاكمة “الإمارات 94” تتكرر في ثوب جديد
تعد هذه القضية بمثابة إعادة تدوير لقضية “الإمارات 94”، التي استهدفت عشرات الإصلاحيين والأكاديميين والنشطاء الإماراتيين عام 2013، حيث تمت إدانتهم بتهم ملفقة تتعلق بمحاولة قلب نظام الحكم، رغم أن مطالبهم كانت سلمية بالكامل وتدعو للإصلاح السياسي والعدالة الاجتماعية.
وبعد سنوات من انتهاء محكوميات بعضهم، قررت السلطات الإماراتية إبقائهم في السجن عبر إعادة محاكمتهم بنفس التهم تحت مسمى جديد، في تحايل واضح على القانون، وتكريس لسياسة الاعتقال التعسفي غير المحدود زمنيًا. هذا النمط من القمع يؤكد أن القضاء الإماراتي لم يعد مؤسسة قضائية مستقلة، بل أداة قمع بيد النظام لإسكات أي صوت معارض، وضمان استمرار الاعتقال حتى بعد انتهاء الأحكام الصادرة.
قوانين قمعية تُشرعن الديكتاتورية
تعتمد الإمارات على مجموعة من القوانين الفضفاضة لقمع الحريات وتكميم الأفواه، أبرزها:
قانون مكافحة الإرهاب، الذي يُستخدم لملاحقة أي شخص يعبر عن رأيه أو يطالب بالإصلاح، حيث يتم تصنيف النشاط الحقوقي والسياسي على أنه “عمل إرهابي”، قانون الجرائم الإلكترونية، الذي يُجرّم التعبير عن الرأي عبر الإنترنت ويُستخدم لإسكات المنتقدين، وقانون العقوبات الإماراتي الجديد، الذي يفرض عقوبات تصل إلى الإعدام والسجن المؤبد بناءً على تهم غامضة مثل “المساس بهيبة الدولة” و”الإضرار بالعلاقات السياسية”.
هذه القوانين تمنح السلطات حرية تامة لاستهداف النشطاء السلميين والزجّ بهم في السجون لسنوات طويلة بناءً على اتهامات واهية، ما جعل الإمارات واحدة من أكثر الدول قمعًا لحرية التعبير في العالم.
سجون تعذيب وإخفاء قسري
تُعدّ السجون الإماراتية من بين الأسوأ في المنطقة، حيث يتعرض المعتقلون السياسيون لظروف احتجاز قاسية تشمل الإخفاء القسري لفترات غير محدودة، حيث يُحتجز المعتقلون دون تواصل مع عائلاتهم أو محاميهم، والتعذيب النفسي والجسدي الممنهج، بما في ذلك الصعق الكهربائي، الضرب، الحرمان من النوم، والحبس الانفرادي لسنوات، الإهمال الطبي المتعمد، حيث يُحرم المعتقلون من العلاج، ما أدى إلى وفاة العديد من السجناء بسبب الأمراض.
كما أن المعتقلين السياسيين في الإمارات لا يُسمح لهم حتى بالحصول على محامين مستقلين، كما تُمنع عائلاتهم من زيارتهم لفترات طويلة، ما يجعل ظروف احتجازهم مخالفة لكل المواثيق والمعاهدات الدولية التي تنص على الحد الأدنى من الحقوق الإنسانية للسجناء.
تصاعد القمع في الإمارات وغياب المحاسبة الدولية
لم تقتصر الانتهاكات الإماراتية على هذه المحاكمة فقط، بل تأتي ضمن سياق أوسع من التضييق على المجتمع المدني، وإسكات الصحافة، وحظر الجمعيات الحقوقية. حيث تم إغلاق كافة المنظمات المستقلة، وحظر أي نشاط حقوقي، كما يتم اعتقال أي شخص يُشتبه في انتقاده للسلطة.
في ظل استمرار هذه الانتهاكات، لا بد من تحرك دولي حقيقي لوضع حد لاستخدام القضاء الإماراتي كأداة للقمع السياسي. يجب على الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية الضغط من أجل فتح تحقيق دولي مستقل في المحاكمات الجائرة التي تجريها السلطات الإماراتية ضد المعارضين السياسيين، وتعليق التعاون الأمني والقضائي مع الإمارات، نظرًا لاستخدام قوانينها ومحاكمها في ملاحقة الأبرياء وقمع النشطاء السلميين.