توفي السجين السياسي صالح عايد ربيع (40 عاماً) داخل سجن المنيا شديد الحراسة، بعد معاناة طويلة مع المرض وحرمان متواصل من العلاج، في واقعة جديدة تسلّط الضوء على الإهمال الطبي الممنهج في السجون المصرية، والذي بات يمثل سياسة عقاب خفية بحق المعتقلين السياسيين.
ووفق معطيات من داخل السجن؛ كان ربيع يعاني منذ عام من ورم في الرقبة تطور تدريجياً حتى انتشر في أنحاء جسده، دون أن يحظى بأي رعاية طبية حقيقية، حيث اكتفت إدارة السجن بتقديم مسكنات بسيطة بدلاً من نقله إلى مستشفى مختص أو عرضه على طبيب متخصص.
وتدهورت حالته خلال الأسابيع الأخيرة حتى فقد القدرة على الحركة والكلام، وسط تجاهل تام لاستغاثات أسرته ومطالباتها بتلقيه العلاج اللازم، إلى أن لفظ أنفاسه الأخيرة داخل زنزانته.
وتمثل أسباب هذه الوفاة خرقاً واضحاً للحق في الحياة والرعاية الصحية المكفولين بموجب الدستور المصري والمواثيق الدولية، وعلى رأسها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وقواعد نيلسون مانديلا التي تُلزم الدول بتوفير مستوى رعاية صحية للمحتجزين يعادل ما يتوفر خارج السجون.
ويعد الامتناع عن تقديم العلاج أو نقله إلى المستشفى المختص شكلاً من أشكال المعاملة القاسية واللاإنسانية، وهو ما يصنّفه القانون الدولي ضمن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، بل وقد يرقى في الحالات الممنهجة أو الواسعة النطاق إلى جريمة ضد الإنسانية.
ولا تُعد وفاة صالح ربيع حادثاً استثنائياً، بل جزءاً من نمط متصاعد من الوفيات الناتجة عن الإهمال الطبي في السجون المصرية، حيث تتكرر الشهادات عن حرمان السجناء من العلاج، وتعمد تأخير نقلهم إلى المستشفيات حتى تفاقم أمراضهم.
ويكشف هذا النمط عن سياسة إهمال ممنهجة تتجاوز القصور الإداري إلى مستوى الاستهداف الصامت، إذ تُستخدم الظروف الصحية كأداة ضغط أو عقوبة إضافية للمعتقلين السياسيين.
وتقع المسؤولية القانونية المباشرة عن مثل هذه الوفيات على وزارة الداخلية المصرية، بصفتها الجهة المشرفة على مصلحة السجون، وعلى النيابة العامة التي تملك صلاحية التفتيش والتحقيق في حالات الوفاة داخل أماكن الاحتجاز.
ويفرض القانون على السلطات واجب الحماية الإيجابي لكل من يوجد في عهدتها، أي ضمان سلامته البدنية والنفسية، وهو واجب لا يسقط حتى في حال صدور أحكام قضائية ضده.
لكن غياب المساءلة المستمرة في مثل هذه القضايا يكرّس منظومة إفلات من العقاب، تفتح الباب أمام تكرار المأساة مع سجناء آخرين، في وقت تتحدث فيه شهادات من داخل السجون عن عشرات المرضى الذين يواجهون المصير نفسه.
إن استمرار هذا النهج يضع السلطات المصرية أمام مسؤولية قانونية دولية تستوجب التحقيق والمساءلة، وإصلاحاً عاجلاً يضمن حق كل محتجز في العلاج والكرامة، قبل أن تتحول السجون إلى مقابر بطيئة لخصوم النظام السياسي.