سلّمت قوات الاحتلال الإسرائيلي إخطارات بهدم أكثر من 100 منزل في مخيم جنين شمال الضفة الغربية، ضمن ما يبدو أنه تنفيذ متصاعد لسياسة العقاب الجماعي والتطهير العمراني في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، والتي ترقى إلى مستوى الجرائم الجماعية بموجب القانون الدولي.
وذكرت مصادر محلية أن قوات الاحتلال وزعت خريطة تفصيلية تُظهر منازل مستهدفة بالهدم في عدة حارات داخل المخيم، وأبلغت سكانها بضرورة إخلائها خلال 72 ساعة تمهيداً لبدء أعمال الهدم.
وتشمل هذه المنازل عائلات فلسطينية تُقيم فيها منذ عقود، ويُقدر عدد أفرادها بالمئات، معظمهم من الأطفال والنساء.
ويأتي هذا التصعيد في سياق حملة منظمة تتبعها سلطات الاحتلال في الضفة الغربية، ولا سيما في مخيمات اللاجئين، حيث سبق أن هدمت خلال شهر مارس/ آذار الماضي أكثر من 66 منزلاً في ذات المخيم.
وتشير التقديرات إلى أن العدوان المستمر منذ أكثر من خمسة أشهر خلّف دماراً جزئياً أو كلياً في نحو 600 منزل ومنشأة في مخيم جنين، ما يعكس اتساع نطاق الاستهداف لمنازل المدنيين والبنى التحتية.
وبالتوازي مع ذلك؛ تواصل قوات الاحتلال تنفيذ أعمال هدم واسعة في مخيم طولكرم لليوم الرابع على التوالي، حيث تم هدم عشرات المباني في حارتي البلاونة والعكاشة، في إطار مخطط يستهدف 106 مبانٍ سكنية في مخيمي طولكرم ونور شمس، تضم ما يزيد عن 250 وحدة سكنية ومرافق تجارية وخدمية.
ولا يمكن فصل هذا السلوك الممنهج عن سياسة العقاب الجماعي التي ينتهجها الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني، إذ تُنفّذ عمليات الهدم خارج إطار أي مسوغ قانوني حقيقي، ودون احترام لمعايير المحاكمة العادلة أو الإجراءات الإدارية المنصوص عليها في القانون الدولي.
كما أن التهجير القسري الناتج عنها يرقى إلى جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية وفقاً لأحكام اتفاقيات جنيف ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
وفي ظل هذا الواقع؛ يواجه آلاف الفلسطينيين خطر التشريد القسري، وهم في الأساس لاجئون مهجّرون من قراهم الأصلية منذ نكبة عام 1948، ويعني هدم منازلهم اليوم تدميراً إضافياً لهويتهم ومكان وجودهم، في سياق مستمر من تفريغ الأرض من سكانها الأصليين وتفتيت النسيج الاجتماعي الفلسطيني.
ويشجّع صمت المجتمع الدولي، وتقاعسه عن فرض آليات محاسبة فعلية، الاحتلال على التمادي في هذه الانتهاكات الفاضحة، التي تُظهر بوضوح أن الهدم ليس مجرد إجراء عسكري، بل أداة استراتيجية ضمن حرب أوسع تستهدف اقتلاع الإنسان الفلسطيني من أرضه ومحيطه الاجتماعي.
إن ما يجري في جنين وطولكرم وسائر مناطق الضفة، لا يمكن وصفه إلا باعتباره جزءاً من سياسة تطهير ممنهج، تخدم مشروعاً استيطانياً استعماريا يسعى لتفكيك الوجود الفلسطيني وفرض وقائع جديدة على الأرض بقوة الحديد والنار.