دخل الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة منذ 2 مارس/آذار مرحلة خطيرة، أدت إلى تفاقم الكارثة الإنسانية في القطاع، حيث يعيش أكثر من مليوني فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال، تحت وطأة الجوع والمرض ونقص المياه والرعاية الصحية.
وقد عبّر مفوض عام وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، فيليب لازاريني، عن استيائه الشديد مما يجري، قائلاً في بيان نشره على منصة “إكس”: “مرّ 50 يوماً على الحصار المفروض على غزة من قبل السلطات الإسرائيلية، الجوع ينتشر ويتفاقم، وهو متعمد ومن صنع الإنسان. تحوّلت غزة إلى أرض يأس”.
وأضاف أن “مليوني إنسان – غالبيتهم من النساء والأطفال – يتعرضون لعقاب جماعي، والجرحى والمرضى وكبار السن محرومون من الأدوية والرعاية الصحية”.
وأشار لازاريني إلى أن “المنظمات الإنسانية لديها مساعدات جاهزة لإدخالها إلى غزة، بما في ذلك نحو 3 آلاف شاحنة من المساعدات المنقذة للحياة تابعة للأونروا”، محذراً من أن “المواد الأساسية المخصصة للأشخاص المحتاجين شارفت على انتهاء صلاحيتها”، ومؤكداً أن “المساعدات الإنسانية تُستخدم ورقة مساومة وسلاحاً في هذه الحرب”.
إن ما يجري في غزة لا يمكن اعتباره فقط نتيجة عرضية للحرب، بل هو نتاج سياسة واضحة تهدف إلى إنهاك المدنيين وحرمانهم من حقوقهم الأساسية، كحرمان المرضى من العلاج، وتجويع الأطفال، ومنع وصول مياه الشرب، وكلها ممارسات تم توثيقها في تقارير صادرة عن منظمات حقوقية دولية، وتُعد من بين أكثر أشكال العقوبات الجماعية فظاعة.
وفي وقت سابق من هذا الشهر؛ حذّرت مديرة الإعلام والتواصل في الأونروا، جولييت توما، من اقتراب القطاع من مرحلة “الجوع الشديد للغاية”، مشيرة إلى أن “الرضّع والأطفال في غزة ينامون جائعين” في ظل ندرة الإمدادات الأساسية.
وقد أشارت تقارير دولية إلى أن سكان غزة لم يتعافوا بعد من موجة الجوع السابقة، التي كانت نتيجة مباشرة لتقنين دخول المساعدات على مدى عام ونصف، ما دفع مئات الآلاف من العائلات الفقيرة إلى حافة المجاعة. وتشير بيانات البنك الدولي إلى أن نسبة الفقر في القطاع بلغت مستوى غير مسبوق، شمل فعلياً جميع السكان.
ويمثل إغلاق المعابر ومنع دخول الإمدادات الغذائية والطبية خرقاً صريحاً لاتفاقيات جنيف، التي تجرّم استخدام التجويع وسيلة في النزاعات المسلحة. كما أن تحويل المساعدات الإنسانية إلى أداة مساومة يضع الاحتلال في مواجهة مباشرة مع القانون الدولي، ويحمّله مسؤولية قانونية عن التبعات الكارثية التي تطال السكان المدنيين.
لكن الأمر لم يعد يقف عند حدود العقوبات الجماعية أو الانتهاكات الجسيمة لقوانين الحرب، بل يرقى إلى تكييف قانوني أوضح: الإبادة الجماعية. فوفقاً لاتفاقية الأمم المتحدة لعام 1948 بشأن منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، فإن “تعمد إخضاع جماعة قومية أو إثنية أو دينية لظروف معيشية يُقصد بها تدميرها كلياً أو جزئياً” يُعد من أركان الإبادة الجماعية.
ويُظهر ما تقوم به سلطات الاحتلال من منع متعمد للمياه والغذاء والدواء، في ظل استهداف واسع النطاق للمدنيين والبنية التحتية المدنية، نية واضحة لإلحاق الدمار بجماعة سكانية كاملة. وهذا يجعل من استمرار الحصار الشامل على قطاع غزة، وتحويله إلى وسيلة للموت البطيء، جريمة إبادة جماعية موصوفة بموجب القانون الدولي.
إن رفع الحصار وإدخال الإمدادات الأساسية دون شروط، لم يعد مطلباً إنسانياً فحسب، بل التزاماً قانونياً وأخلاقياً عاجلاً، لمنع تفاقم هذه الجريمة الجماعية، وإنقاذ ما تبقى من حياة في القطاع.