في خطوة تُعدّ من أكبر مشاريع التوسع الاستيطاني في السنوات الأخيرة؛ صادق الاحتلال الإسرائيلي على بناء 1300 وحدة استيطانية جديدة جنوب مدينة القدس المحتلة، ضمن خطة ضخمة تمتد في ما يُعرف بكتلة “غوش عتصيون”.
وجاء القرار بعد أيام فقط من تصريحات للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي حاول طمأنة الصحفيين بأن “الاحتلال لن يفعل شيئا في الضفة الغربية”، لكن الوقائع على الأرض تكشف العكس تماماً؛ إذ تتسارع وتيرة البناء ومصادرة الأراضي بشكل غير مسبوق، في ظل صمت دولي وتراخٍ سياسي يغذي سياسة الضمّ الزاحف.
وتتضمن الخطة الجديدة إلى جانب الوحدات السكنية؛ مدارس ومبانٍ عامة وحدائق ومناطق تجارية واسعة، وتستهدف منطقة “الجبل الروسي” جنوب مستوطنة ألون شفوت، وهي منطقة تقع على أراضٍ فلسطينية مصادرة منذ عقود. ويعتبر هذا المشروع، بحسب وصف المجلس الاستيطاني، الأكبر في تاريخ “غوش عتصيون” من حيث المساحة وعدد الوحدات.
وتختبئ لكن خلف هذا التوسع العمراني المزعوم، جريمة مستمرة بموجب القانون الدولي. فالمادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة تحظر على القوة المحتلة نقل سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها، وهو ما يجعل النشاط الاستيطاني انتهاكاً صارخاً للقانون الإنساني الدولي، ويصنف كجريمة حرب وفق نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
ولا يمكن قراءة هذه الخطوة بمعزل عن المخطط الأشمل لضمّ الضفة الغربية فعلياً عبر التوسع المتدرج للمستوطنات وربطها بشبكة طرق وأنفاق وجسور عسكرية ومدنية، بما يعزل التجمعات الفلسطينية عن بعضها ويقوّض وحدة الأرض الفلسطينية.
وتمثل هذه السياسة نظام فصل عنصري متكامل الأركان، إذ تخلق واقعين قانونيين وجغرافيين مختلفين على الأرض نفسها: واحد للمستوطنين بامتيازاتهم المدنية، وآخر للفلسطينيين تحت القهر العسكري.
والمفارقة أن الاحتلال يواصل هذا المسار رغم الإجماع الدولي على عدم شرعية الاستيطان، ورغم عشرات القرارات الصادرة عن مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة التي تطالب بوقفه فوراً، كان أبرزها القرار 2334 لعام 2016 الذي أكد أن كل الأنشطة الاستيطانية “ليس لها أي شرعية قانونية وتشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي”.
وبهذا المعنى؛ لا يُعد القرار مجرد إجراء إداري للبناء، بل صفعة جديدة للمنظومة القانونية الدولية، وتحدياً مباشراً لمبادئ العدالة والحقوق الإنسانية.
فبينما يُحرم الفلسطيني من حقه في البناء على أرضه أو ترميم منزله دون ترخيص نادر المنال، تُمنح المستوطنات شرعية ميدانية وتسهيلات مالية وسياسية، في مشهدٍ يعكس ازدواجية قانونية فاضحة يفرضها الاحتلال بالقوة، ويدفع ثمنها شعبٌ يُجرد من أرضه يوماً بعد يوم، في ظل صمت دولي يُترجم عملياً إلى موافقة ضمنية على الجريمة.

























