يواصل الاحتلال الإسرائيلي ارتكاب جرائم إبادة جماعية في قطاع غزة، حيث شهدت الليلة الماضية وفجر وصباح الأحد موجة جديدة من المجازر استهدفت منازل مأهولة وخياماً تؤوي نازحين، وأسفرت عن مقتل وإصابة العشرات، معظمهم من النساء والأطفال.
وبحسب إفادات طبية من داخل القطاع؛ فإن عدد القتلى منذ فجر اليوم تجاوز 125 قتيلاً، في ظل عجز المنظومة الصحية عن التعامل مع هذا الحجم من الإصابات والضحايا، وسط انهيار كامل للبنية التحتية للمستشفيات، وانقطاع شبه دائم للكهرباء والماء، واستمرار الحصار المفروض على دخول الدواء والمساعدات الإنسانية.
وكان شمال قطاع غزة الأكثر تضرراً، حيث قصف الاحتلال منزلاً مكتظاً بالسكان ما أدى إلى مقتل ثمانية مدنيين على الأقل، في حين بقي عدد غير معلوم من الضحايا تحت الركام دون إمكانية لانتشالهم.
ولم تقتصر الهجمات على الأحياء السكنية، بل شملت أيضاً خياماً مؤقتة أقامها نازحون في مناطق تم اعتبارها آمنة نسبياً في وقت سابق، وهو ما يؤكد استهداف الاحتلال المتعمد والمتكرر للمدنيين الفارين من الموت، وتدمير كل فرص النجاة الممكنة.
ويدخل استمرار استهداف مواقع الإيواء المؤقتة ضمن سياسة الإبادة الجماعية المتواصلة التي ينفذها الاحتلال ضد سكان القطاع، والتي تتجاوز في فظاعتها مجرد الانتهاكات التقليدية لقوانين الحرب.
وبدعم أمريكي مطلق يرتكب الاحتلال الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 جرائم إبادة جماعية في غزة خلّفت نحو 174 ألف فلسطيني بين قتيل وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود.
وترتكب هذه الجرائم في ظل صمت دولي مريب وتواطؤ منظم من قِبل أطراف مؤثرة في النظام الدولي، ما يرسّخ واقع الإفلات من العقاب ويغذي استمرارية المجازر.
إن القصف الممنهج للمنازل والمخابز والمستشفيات والمدارس، إلى جانب تقييد دخول الغذاء والدواء، كلها مؤشرات لا تترك مجالاً للشك في أن ما يحدث في غزة هو عملية إبادة جماعية متكاملة الأركان، تستهدف اقتلاع السكان المدنيين من أرضهم عبر القتل والتجويع والترويع.
وإن الفشل المستمر للمجتمع الدولي في التحرك الجاد لوضع حد لهذه الإبادة، وتحقيق المساءلة، يُعد بمثابة شراكة ضمنية في الجريمة، ويطرح أسئلة خطيرة حول مصداقية النظام الدولي القائم، وقدرته على حماية الشعوب الضعيفة من الفناء تحت آلة القتل المنظمة.
إن ما يجري في غزة لم يعد يحتمل أي توصيف مخفف، ولا يمكن التعامل معه كصراع مسلح أو عدوان متبادل، بل هو استهداف منظم لحياة جماعة بشرية كاملة، بما يحمله من نية التدمير، والأدوات المادية والمعنوية الكفيلة بتحقيقه.
وفي هذا السياق؛ فإن الحاجة الملحة اليوم لا تقتصر على وقف إطلاق النار، بل على تفعيل أدوات القانون الدولي لمحاسبة المسؤولين عن هذه الإبادة، وضمان عدم تكرارها، وإنقاذ ما تبقى من حياة في قطاع أنهكته المجازر ولم تَعد لديه مساحة للنجاة أو حتى للدفن.