شرعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الإثنين، في تنفيذ حملة هدم واسعة طالت 16 منزلاً على الأقل في قرية السرّة الواقعة في النقب، جنوب الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، ضمن سياسة ممنهجة تستهدف القرى الفلسطينية مسلوبة الاعتراف، في سياق متصاعد من التهجير القسري واقتلاع السكان الأصليين من أراضيهم.
وجاءت عملية الهدم بعد قرار صادر عن محكمة بئر السبع الخميس الماضي، يقضي بإخلاء القرية وهدم منازلها، دون توفير بدائل سكنية أو مرافق تخدم السكان، في انتهاك صارخ للمعايير الدولية الخاصة بالحق في السكن، وعدم جواز الإخلاء القسري دون ضمانات قانونية وإنسانية كافية.
وتقع قرية السرّة المحتلة، التي يقطنها ما يقارب 1500 مواطن فلسطيني من قبيلة العزازمة، في منطقة مهمشة تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة، ومع ذلك تواجه منذ سنوات طويلة تهديداً دائماً بالهدم، ورفضاً رسمياً للاعتراف بها، رغم أنها قائمة منذ ما قبل النكبة.
وبحسب سليمان الهواشلة، المدير العام للمجلس الإقليمي للقرى مسلوبة الاعتراف، فإن قوات الشرطة أحاطت بمكان الهدم منذ ساعات الصباح، ومنعت الأهالي من الاقتراب، وسط أجواء من القمع والترهيب.
وأضاف أن بعض السكان اضطروا في وقت سابق إلى هدم منازلهم ذاتياً لتجنّب الغرامات الباهظة والملاحقة القانونية.
وتشير المعطيات الصادرة عن المجلس الإقليمي إلى أن عمليات الهدم التي بدأت اليوم ليست سوى بداية، إذ من المتوقع أن يتم هدم أكثر من 200 منزل خلال الأسبوعين القادمين، بما يعني إزالة قرية السرّة بالكامل من الوجود، وتهجير سكانها قسراً دون أي تعويض أو إعادة توطين عادل.
ويتزامن هذا التصعيد مع إعلان سلطات الاحتلال عن خطط لإقامة مستوطنات جديدة على أراضي النقب، ما يكشف الطابع الاستيطاني للسياسات الرسمية تجاه الفلسطينيين في الداخل، الذين يُعاملون كمجموعة مستهدفة بسياسات تهدف إلى تقليص وجودهم الجغرافي والديموغرافي.
إن ما يحدث في النقب، وتحديداً في قرية السرّة، لا يمكن فصله عن السياسات الاستعمارية الأوسع التي ينتهجها الاحتلال ضد الفلسطينيين في كل أماكن وجودهم. وإن عمليات الهدم والإخلاء القسري تخالف الحق في السكن الملائم كما أقرته المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وعلى رأسها العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
كما يُعد هذا السلوك انتهاكاً مباشراً للقانون الدولي الإنساني، لا سيما المادة 17 من اتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر التهجير القسري للسكان المدنيين في وقت السلم أو الحرب، فضلاً عن كونه شكلاً من أشكال التمييز العنصري المؤسسي، الموجه تحديداً ضد المواطنين الفلسطينيين في الداخل.
وفي ظل هذا الواقع الخطير، تتزايد الحاجة إلى تحرك دولي فاعل لوقف عمليات الهدم، وضمان حماية القرى مسلوبة الاعتراف، والضغط على سلطات الاحتلال لوقف سياسات التهجير القسري، والاعتراف بالقرى القائمة، وتوفير البنية التحتية والخدمات الأساسية لسكانها، كما هو حق مكفول في جميع النظم القانونية والإنسانية المعاصرة.