تتواصل في الضفة الغربية المحتلة سياسة الهدم والتهجير القسري بوتيرة متصاعدة، في مشهد يعكس تآكلًا متسارعًا لحقوق الفلسطينيين الأساسية، وفي مقدمتها الحق في السكن الآمن والحياة الكريمة.
وفي هذا السياق؛ أعلنت الأمم المتحدة أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي هجّرت منذ مطلع العام الجاري أكثر من ألف فلسطيني في المناطق المصنفة (ج) التي تشكّل نحو 60 بالمئة من مساحة الضفة الغربية، نتيجة هدم منازلهم ومنشآتهم.
وقال نائب متحدث الأمين العام للأمم المتحدة فرحان حق، في مؤتمر صحفي، إن عمليات الهدم التي تقف وراء هذا التهجير تستند إلى ذريعة “عدم الترخيص”، مشيرًا إلى أن ما يجري يمثل ثاني أعلى معدل سنوي للتهجير منذ عام 2009.
وأضاف أن اعتداءات الجيش الإسرائيلي والمستوطنين في الضفة الغربية شهدت تصاعدًا ملحوظًا خلال العامين الماضيين، بالتزامن مع الحرب المدمّرة على قطاع غزة.
ولا يقتصر أثر هذه العمليات على فقدان المأوى فحسب، بل يمتد ليشمل تفكيك البنى الاجتماعية والاقتصادية للعائلات الفلسطينية، ودفعها قسرًا إلى النزوح الداخلي، غالبًا دون بدائل سكنية أو تعويضات، وفي ظروف إنسانية قاسية.
ويُهدم معظم هذه المنازل في تجمعات ريفية وبدوية، تعتمد على الزراعة وتربية المواشي، ما يجعل التهجير ضربة مزدوجة للسكن وسبل العيش معًا.
وتشكل هذه الممارسات انتهاكًا مباشرًا لمبادئ القانون الدولي الإنساني، الذي يحظر على قوة الاحتلال إحداث تغييرات دائمة في الأراضي المحتلة أو نقل السكان قسرًا، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. فسياسات التخطيط التمييزية، التي تجعل الحصول على تراخيص البناء للفلسطينيين شبه مستحيل، تفرغ شرط “الترخيص” من مضمونه القانوني، وتحوله إلى أداة إقصاء جماعي.
كما أن حرمان الفلسطينيين في المنطقة (ج) من حقهم في البناء أو استصلاح أراضيهم الزراعية، يقابله توسع استيطاني ممنهج، ما يعمّق واقع الفصل المكاني والتمييز القائم على الهوية القومية، وهو أمر يقوّض أي إمكانية فعلية لتنمية فلسطينية مستقلة أو متواصلة جغرافيًا.
وتشمل عمليات الهدم أيضًا القدس الشرقية، حيث تُستخدم السياسات ذاتها لتقليص الوجود الفلسطيني ودفع السكان إلى خارج مدينتهم، في انتهاك للحق في السكن والملكية، وللمكانة القانونية الخاصة للقدس باعتبارها أرضًا محتلة.
وفي المحصلة، تكشف الأرقام المتزايدة للمهجّرين عن سياسة مستمرة تتجاوز الإجراءات الإدارية، لتلامس جوهر الحقوق الأساسية المكفولة للسكان الواقعين تحت الاحتلال. ومع غياب المساءلة الفعلية؛ يستمر التهجير كواقع يومي يفرض على الفلسطينيين، في ظل صمت دولي لا يوازي حجم الانتهاكات ولا آثارها بعيدة المدى على الإنسان والأرض.



























