في تصعيد خطير يندرج ضمن سياسة التهجير القسري الممنهجة؛ سلّمت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الأربعاء، إخطارات تقضي بهدم جميع منازل قرية النعمان الواقعة إلى الشرق من مدينة بيت لحم، في خطوة تهدد بتشريد السكان بشكل كامل ومحو القرية عن الخارطة.
وقال رئيس مجلس قروي النعمان، جمال الدرعاوي، إن شرطة الاحتلال برفقة موظفين من بلدية الاحتلال في القدس اقتحموا القرية صباحاً، ووزعوا إخطارات بالهدم تشمل كافة منازل القرية البالغ عددها 35 منزلاً مقسّمة على 45 شقة سكنية، بحجة “البناء دون ترخيص”.
وتُعد هذه المرة الثالثة منذ مطلع العام الجاري التي يتم فيها تسليم هذه الإخطارات، في ما يبدو أنه تمهيد لتنفيذ عملية هدم شاملة.
وأوضح الدرعاوي أن جميع المنازل مأهولة بالسكان، وأقيم بعضها قبل 75 عاماً، فيما تعود أحدثها إلى 35 عاماً، ما يُسقط الذريعة القانونية التي يستخدمها الاحتلال بشأن البناء “الجديد” أو “غير المرخص”.
ويتابع محامٍ مختص ملف القرية في محاولة لوقف تنفيذ أوامر الهدم، بينما يسابق الأهالي الزمن لإنقاذ منازلهم ووجودهم على الأرض.
ويبلغ عدد سكان قرية النعمان نحو 150 نسمة، يعيشون على مساحة تُقدّر بـ1500 دونم، لكنهم محرومون من الحق في البناء منذ أكثر من 32 عاماً بفعل قيود الاحتلال، الأمر الذي أدى إلى تهجير نحو 100 من أبناء القرية خلال العقود الماضية، في واحدة من السياسات الهادفة إلى إفراغ الأرض من أصحابها.
ويقول الدرعاوي إن الاحتلال يسعى لضم القرية إلى حدود بلدية الاحتلال في القدس، وفرض أمر واقع بالقوة، مشيراً إلى أن محكمة الاحتلال كانت قد أقرت قبل عامين بفرض ضريبة “الأرنونا” (ضريبة الأملاك البلدية) بأثر رجعي على السكان، عن ست سنوات مضت، ما أجبرهم على دفع مبالغ تتراوح بين 30 إلى 60 ألف شيقل عن كل منزل.
وتقع قرية النعمان على بُعد نحو 4.5 كم شرق مدينة بيت لحم، وتحدها من الشرق أراضي قرية الخاص، ومن الشمال بلدة صور باهر في القدس المحتلة، ومن الغرب والجنوب مدينة بيت ساحور، ما يجعلها في قلب منطقة استراتيجية يسعى الاحتلال إلى إخضاعها كلياً لمخططات التوسع الاستيطاني وربطها جغرافياً ببلدية الاحتلال في القدس.
ولا يمكن توصيف ما يتعرض له سكان قرية النعمان إلا كجريمة تهجير قسري، تُرتكب ببطء وبغطاء قانوني زائف. فالحرمان المتعمد من الحق في البناء، ثم المعاقبة لاحقاً على “البناء غير المرخص” يعكس كيف يستخدم الاحتلال الأدوات الإدارية والقانونية لتضييق الخناق على الفلسطينيين، ودفعهم إلى مغادرة أرضهم طوعاً تحت ضغط الواقع المعيشي والقانوني القاسي.
وتتناقض هذه السياسات مع قواعد القانون الدولي، وخصوصاً اتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر على قوة الاحتلال تدمير الممتلكات أو نقل السكان قسراً من أراضيهم، كما تُعتبر محاولات تغيير الطابع الديمغرافي للأرض المحتلة جريمة بموجب القانون الدولي.
ويُعد الهدم الجماعي للمنازل في قرية النعمان، والذي يشمل بيوتاً قائمة منذ عقود طويلة، شاهداً إضافياً على أن الهدف لا يتعلق بتنظيم عمراني، بل بتفريغ الأرض لصالح الضم والتوسع الاستيطاني، في مسار واضح نحو الضم الزاحف والتمدد الصامت الذي يبتلع القرى الفلسطينية واحدة تلو الأخرى.