تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي تنفيذ سياسة ممنهجة تقوم على الاعتقال الجماعي والتنكيل الميداني بحق المدنيين الفلسطينيين في الضفة الغربية، في سياق تصعيد متواصل يستهدف بنية المجتمع الفلسطيني ويمتد بالتوازي مع حرب الإبادة الجارية في قطاع غزة.
فمنذ مساء السبت وحتى صباح اليوم الأحد، اعتقل الاحتلال ما لا يقل عن 40 مواطناً، بينهم أطفال وأسرى سابقون، في حملة دهم وتحقيقات ميدانية طالت عدداً من محافظات الضفة، تركزت غالبيتها في محافظة الخليل، وتوزعت البقية على نابلس ورام الله وبيت لحم والقدس. وترافقت عمليات الاعتقال مع اقتحامات عنيفة وتخريب للممتلكات، إلى جانب اعتداءات جسدية ونفسية طالت المعتقلين وعائلاتهم.
ولم تعد الاعتقالات في الضفة الغربية تندرج ضمن ما يسمى “إجراءات أمنية”، بل تحوّلت إلى سياسة عقابية جماعية تستهدف السكان المدنيين بشكل عشوائي ومنظم.
وغالبا ما تتم عمليات الدهم ليلًا، وتشمل محاصرة الأحياء السكنية، وترويع العائلات، واحتجاز أفراد الأسرة لساعات تحت التهديد والضرب، في ظل غياب أي إجراءات قانونية عادلة.
ويستخدم الاحتلال ما يُعرف بـ”التحقيق الميداني” كغطاء قانوني زائف لممارسات التعذيب، حيث يتعرض المعتقلون في الميدان للضرب المبرح، والشتم، والتجريد من الملابس أحيانًا، قبل نقلهم إلى مراكز الاعتقال أو الإفراج عنهم لاحقًا دون تهم.
كما وثّقت حالات عديدة لاحتجاز مواطنين كرهائن بهدف الضغط على أقاربهم لتسليم أنفسهم أو الاعتراف بتهم مفترضة، في انتهاك صارخ للمعايير الدولية المتعلقة بحظر العقوبات الجماعية والتعذيب.
وتُستخدم هذه السياسة كأداة لتفتيت البنية المجتمعية في الضفة الغربية، وتُسهم في تفريغ الحياة العامة من الفاعلين السياسيين والاجتماعيين، من خلال استهداف الأسرى السابقين والناشطين وأفراد العائلات الفلسطينية، في محاولة لكسر الإرادة الجماعية للفلسطينيين، وتعميق السيطرة الاحتلالية على الأرض والناس.
ويترافق التصعيد في الضفة مع حملة تدمير منهجي للبنية السكنية، لاسيما في جنين وطولكرم، عبر تفجير منازل وفرض حصارات داخلية على المخيمات، الأمر الذي يعكس توجّهًا عسكريًا يقوم على تهجير وتطويع السكان بالقوة، ضمن استراتيجية طويلة الأمد للسيطرة الكاملة على الأرض وطرد الوجود الفلسطيني منها.
ومنذ بداية حرب الإبادة المفتوحة على غزة في 7 أكتوبر 2023، شهدت الضفة الغربية موجة غير مسبوقة من الاعتقالات، تجاوزت 17,500 حالة، تشمل من تم اعتقاله وأُفرج عنه لاحقًا. ولا تشمل هذه الأرقام الآلاف من أبناء القطاع الذين جرى اعتقالهم خلال الاجتياحات والعمليات العسكرية المتكررة في غزة.
وتجدر الإشارة إلى أن ظروف الاحتجاز في سجون الاحتلال تفتقر إلى أبسط المعايير الإنسانية، حيث يتعرض المعتقلون الفلسطينيون، بمن فيهم الأطفال والنساء، لسوء المعاملة، والإهمال الطبي، والعزل الانفرادي، في ظل غياب الرقابة الدولية الفعالة.