صعدت سلطات الاحتلال الإسرائيلي من سياسة هدم المنازل الفلسطينية في مختلف المناطق، في خطوة تهدف إلى تكريس واقع التهجير القسري وضرب مقومات الوجود الفلسطيني، في انتهاك واضح للقانون الدولي الإنساني وقرارات الأمم المتحدة.
وخلال الساعات الأخيرة، شهدت عدة مدن وبلدات فلسطينية عمليات هدم واسعة طالت عشرات المنازل والمنشآت، مما أدى إلى تشريد عشرات العائلات في ظل ظروف إنسانية بالغة الصعوبة.
ففي بلدة كفر الديك غرب سلفيت، اقتحمت قوات الاحتلال المنطقة وقامت بهدم منزل مكون من طابقين، تبلغ مساحته 150 مترًا مربعًا، بالإضافة إلى هدم “بركس” تابع لصاحبه همام توفيق علي أحمد.
ويعد هذا الهدم الرابع في البلدة منذ بداية عام 2025، مما يعكس استهدافًا ممنهجًا للوجود الفلسطيني في المنطقة، في إطار توسيع المستوطنات الإسرائيلية القريبة.
وواصل الاحتلال عدوانه على مخيم طولكرم لليوم الـ23 على التوالي، حيث شرعت قواته في هدم 14 منزلًا داخل المخيم، بزعم شق شارع وسطه، بينما بلغ عدد المنازل التي دُمرت بالكامل منذ بدء العدوان 22 منزلًا، إلى جانب تضرر 300 منزل بشكل جزئي، وإحراق 11 منزلًا.
وأدى هذا الاستهداف إلى تهجير ما يقارب 10,450 فلسطينيًا من المخيم، في مشهد يعيد إلى الأذهان عمليات التطهير العرقي التي شهدتها فلسطين عام 1948. كما تعمد الاحتلال تدمير البنية التحتية، بما في ذلك شبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي والاتصالات، ما يجعل حياة من تبقى في المخيم شبه مستحيلة.
وضمن إطار سياسات التهجير التي تطال التجمعات البدوية في الضفة الغربية؛ أقدمت جرافات الاحتلال على هدم مسكن في قرية أم الخير بمسافر يطا جنوب الخليل، يعود للمواطن ماجد شعيب الهذالين.
ولم تكتف قوات الاحتلال بذلك، بل قامت بتجريف الأراضي والسلاسل الحجرية المحيطة بالمسكن، في محاولة لفرض مزيد من التضييق على السكان ودفعهم إلى مغادرة المنطقة قسرًا.
وشهدت بلدة جبل المكبر في القدس المحتلة عملية هدم جديدة، استهدفت أربعة منازل تعود للأشقاء علي وأمين وحامد ومحمد هلسة.
وتأتي هذه العمليات في سياق أوسع لاستهداف أحياء القدس، حيث تعمل سلطات الاحتلال على تقليص الوجود الفلسطيني في المدينة عبر الهدم الممنهج والتضييق على السكان، بهدف فرض تغيير ديمغرافي يخدم مخططات التهويد.
ووفقا لتقارير محلية؛ نفذت سلطات الاحتلال الشهر الماضي وحده 76 عملية هدم طالت 126 منشأة، من بينها 74 منزلًا مأهولًا، وتركزت هذه العمليات في جنين والقدس وقلقيلية وبيت لحم ونابلس، ما يعكس تصعيدًا واضحًا في استخدام الهدم كأداة لفرض واقع جديد على الأرض.
وتُصنّف عمليات هدم المنازل في الأراضي المحتلة ضمن انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني، حيث تحظر اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 تدمير الممتلكات الخاصة في الأراضي المحتلة، إلا إذا اقتضت الضرورات العسكرية القصوى ذلك، وهو ما لا ينطبق على الحالات التي ينفذها الاحتلال، والتي تأتي ضمن سياسات التهجير القسري والعقاب الجماعي. كما تؤكد اتفاقية روما للمحكمة الجنائية الدولية أن التهجير القسري للسكان، وتدمير الممتلكات على نطاق واسع دون مبرر عسكري، يشكل جريمة حرب تستوجب الملاحقة القانونية.
ولا تقتصر عمليات الهدم على مجرد تنفيذ أوامر إدارية بحجة “البناء غير المرخص”، بل تحمل أبعادًا سياسية وأمنية تهدف إلى إفراغ المناطق الحيوية من السكان الفلسطينيين، خصوصًا في القدس والمنطقة (ج) لصالح التوسع الاستيطاني، وتفكيك المخيمات والتجمعات السكانية كجزء من سياسة العقاب الجماعي، كما يحدث في مخيم طولكرم حاليًا، وإضعاف الاقتصاد الفلسطيني من خلال تدمير المساكن والمنشآت التجارية والزراعية، مما يزيد من معاناة الأهالي ويحد من قدرتهم على الاستمرار في أراضيهم.
أمام هذا التصعيد الخطير؛ يتوجب على المجتمع الدولي العمل على محاسبة الاحتلال على جرائمه، ووقف استخدام سياسة هدم المنازل كوسيلة للتهجير القسري والعقاب الجماعي، إذ إن استمرار هذه الانتهاكات دون مساءلة يشجع الاحتلال على مواصلة سياساته، التي تشكل خرقًا صارخًا لكل المواثيق والاتفاقيات الدولية.
إن تصعيد الاحتلال سياسة هدم المنازل يؤكد أن استهداف الفلسطينيين في بيوتهم لم يعد مجرد إجراءات عقابية فردية، بل سياسة ممنهجة تهدف إلى تفكيك المجتمع الفلسطيني وفرض تغييرات ديمغرافية قسرية. ومع استمرار هذه الممارسات، تتعاظم الحاجة إلى تحرك دولي جاد لوضع حد لهذه الجرائم، وحماية الحق الفلسطيني في السكن والأرض والوجود.