تواصل قوات الاحتلال، لليوم الثاني على التوالي، عدوانها واسع النطاق في بلدة قباطية جنوب جنين شمالي الضفة الغربية المحتلة، مترافقا مع إجراءات عقابية جماعية تمسّ مجمل السكان المدنيين.
وتفرض قوات الاحتلال حظر تجوال شاملاً على البلدة، إلى جانب اقتحامات متكررة للمنازل وتدمير محتوياتها، وتجريف الشوارع وإلحاق أضرار جسيمة بالبنية التحتية المدنية، بما في ذلك إغلاق الطرق الرئيسية المؤدية إلى البلدة بسواتر ترابية. كما دفعت بتعزيزات عسكرية إضافية وانتشرت آلياتها داخل الأحياء السكنية، ما قيّد حركة السكان وعرّضهم لمخاطر إنسانية متزايدة.
وشملت الانتهاكات اعتقال عدد من المدنيين، بينهم أقارب منفذ عملية وقعت داخل الخط الأخضر، إضافة إلى إخضاع أفراد من عائلته للتحقيق، وتحويل منزل العائلة إلى ثكنة عسكرية، واقتياد شبان مدنيين إليه والتنكيل بهم. وتأتي هذه الإجراءات دون مراعاة لمبدأ المسؤولية الفردية، الذي يُعد حجر الزاوية في العدالة الجنائية وفق المعايير الدولية.
وتندرج هذه الممارسات ضمن سياسة العقاب الجماعي، المحظورة صراحة بموجب المادة (33) من اتفاقية جنيف الرابعة، التي تمنع معاقبة الأشخاص المحميين عن أفعال لم يرتكبوها بشكل شخصي. كما تحظر الاتفاقية تدمير الممتلكات الخاصة إلا للضرورة العسكرية القصوى، وهو شرط لا ينطبق على الإجراءات الواسعة والعشوائية التي تستهدف أحياءً كاملة وبناها التحتية.
ويشكّل فرض حظر التجوال الشامل، والاعتقالات الجماعية، وتدمير المنازل والطرق، انتهاكاً لحقوق أساسية غير قابلة للتقييد التعسفي، وفي مقدمتها حرية التنقل، والحق في السكن الملائم، والحق في الكرامة الإنسانية، والحماية من المعاملة القاسية والمهينة. كما أن استهداف العائلات على أساس صلة القرابة يرقى إلى تمييز جماعي محظور.
وتأتي عملية قباطية ضمن مسار تصعيدي مستمر منذ 21 يناير/كانون الثاني 2025، حيث وسّع الاحتلال عملياته العسكرية شمال الضفة الغربية، بدءاً من مخيم جنين وصولاً إلى مخيمي نور شمس وطولكرم، مع فرض حصار مشدد وتدمير واسع للبنية التحتية والمنازل والمتاجر. وقد أسفر ذلك عن نزوح عشرات الآلاف من المدنيين، في انتهاك واضح لحظر النقل القسري للسكان، المنصوص عليه في القانون الدولي الإنساني.
وبالتوازي؛ تتكثف سياسات تهدف إلى تغيير الواقع الديمغرافي والقانوني في الضفة الغربية عبر هدم المنازل، والتهجير، وتوسيع المستوطنات، بما يقوّض الحق في تقرير المصير ويهدد الأسس القانونية لأي تسوية قائمة على القانون الدولي، بما فيها مبدأ عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالقوة.
إن ما يجري في قباطية يعكس نمطاً متكرراً من الانتهاكات الجسيمة، التي لا يمكن تبريرها بدواعٍ أمنية عامة، وتستدعي مساءلة قانونية دولية. فحماية المدنيين في الأراضي المحتلة التزام قانوني غير قابل للتصرف، وأي إخلال به يُعد خرقاً خطيراً يرتّب مسؤوليات دولية، ويستوجب وقف الإجراءات العقابية فوراً، وضمان سبل الانتصاف الفعالة للضحايا، واحترام قواعد القانون الدولي دون انتقائية.

























