تواصل سلطات الاحتلال فرض حصار شامل على مدينة القدس المحتلة، وتحديداً على البلدة القديمة، لليوم السادس على التوالي، من خلال إغلاق المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، وتعطيل الحياة اليومية عبر اقتحامات متكررة، وحملات اعتقال، ونصب حواجز جديدة، في تصعيد ممنهج يستهدف التركيبة الاجتماعية والدينية والسكانية للمدينة.
ويأتي هذا التصعيد ضمن سياسة متكاملة من القمع والعقاب الجماعي، تتبعها سلطات الاحتلال بحق المقدسيين، بهدف فرض مزيد من السيطرة الأمنية والديموغرافية، وتقويض أي إمكانية لوجود فلسطيني سيادي أو حر في المدينة.
ويمثل إغلاق المسجد الأقصى وكنيسة القيامة – وهما من أبرز الرموز الدينية والثقافية للفلسطينيين مسلمين ومسيحيين – يمثل انتهاكاً صريحاً للحق في حرية العبادة، ويكشف عن محاولة الاحتلال فرض وقائع جديدة في القدس، عبر تقويض إمكانية الوصول إلى دور العبادة، وتحويل المدينة إلى ثكنة عسكرية.
ويُعد هذا الإغلاق سابقة خطيرة، خاصة أنه يتواصل لليوم السادس، بالتزامن مع نشر مكثف للقوات على أبواب البلدة القديمة، ومنع المصلين من الدخول، وفرض قيود شديدة على الحركة، بما في ذلك اعتداءات على المارة واحتجاز بطاقاتهم.
وفي أحدث جرائم القتل الميداني، قُتل الشاب معتز حمزة حسين الحجاجلة (21 عاماً) من قرية الولجة جنوب غرب القدس، فجر اليوم، بعد أن اعتدت عليه قوات الاحتلال بالضرب المبرح، وأطلقت عليه الرصاص في منطقة الصدر، ثم سحبته جريحاً إلى جهة مجهولة، ليرتفع بذلك عدد قتلى القدس الذين لا تزال جثامينهم محتجزة لدى الاحتلال إلى 47.
وتنتهك سياسة احتجاز الجثامين أبسط قواعد الكرامة الإنسانية، وتُعد شكلاً من أشكال العقاب الجماعي الممنهج، حيث تُمنع العائلات من دفن أبنائها ووداعهم، ويُستخدم الجثمان كورقة ضغط أمنية وسياسية، وهو ما يتعارض تماماً مع مبادئ القانون الدولي الإنساني.
وفي المقابل؛ سُلم مساء أمس جثمان القتيل محمد حسن حسني أبو حماد (41 عاماً) من بلدة العيزرية، بعد احتجازه منذ مقتله في 25 مارس/آذار الماضي. وقد شُيّع جثمانه وسط أجواء من الغضب الشعبي والإدانة الواسعة لممارسات الاحتلال.
وفي السياق ذاته؛ واصلت قوات الاحتلال عمليات الاقتحام الليلي في عدة أحياء مقدسية، خاصة في سلوان والعيسوية والطور ومخيم شعفاط، حيث اعتدت على المواطنين، وداهمت المنازل، واعتقلت الشاب ماهر عايد ربيع من بلدة بيت عنان، بعد مداهمة منزله فجراً.
وفي بلدة أبو ديس شرق المدينة؛ أصيب عدد من المواطنين بالاختناق والرضوض نتيجة اقتحام عنيف تخللته اعتداءات جسدية وإطلاق كثيف لقنابل الغاز والصوت.
وبالتوازي؛ شهد حاجز جبع شمال شرق القدس سلسلة إغلاقات منذ ظهر أمس وحتى صباح اليوم، لتركيب بوابات حديدية وغرف مراقبة جديدة، ضمن محاولات الاحتلال توسيع شبكة الفصل والحصار. وقد أدى ذلك إلى إرباك الحركة اليومية، وتكدس آلاف المركبات، ما تسبب في معاناة واسعة للطلبة والمرضى والموظفين، خاصة تحت درجات حرارة مرتفعة.
إن ما يجري في القدس لا يمكن فصله عن سياق أوسع من الإجراءات القمعية الهادفة إلى تهويد المدينة وعزلها عن محيطها الفلسطيني، حيث تشكل الحواجز التي تجاوز عددها اليوم 85 نقطة تفتيش، إلى جانب الحصار المتواصل، منظومة متكاملة من أدوات السيطرة والتمييز، تُستخدم لتقييد حرية التنقل، واستنزاف المقدسيين نفسياً واقتصادياً.
وتؤكد سياسات الاقتحامات الليلية، والقتل الميداني، واحتجاز الجثامين، وإغلاق دور العبادة، والسيطرة على مداخل المدينة، أن القدس تخضع لواقع استعماري قمعي يتنافى مع كل الأعراف الدولية التي تحظر المساس بالأماكن المقدسة وتمنع استهداف المدنيين.
وفي ظل غياب أي محاسبة دولية؛ يواصل الاحتلال ترسيخ واقع لا يترك للمقدسيين سوى خيار الصمود في وجه آلة القمع اليومية، وسط صمت دولي يزيد من تغوّل القوة القائمة بالاحتلال، ويفاقم المأساة الإنسانية والسياسية في مدينة تُحاصر هويتها يوماً بعد آخر.