منذ نحو 22 شهراً؛ يعيش قطاع غزة تحت وابل مستمر من القصف والتجويع والتهجير القسري، في حرب إبادة جماعية ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي بلا هوادة، فيما تحولت حياة أطفال غزة الذين يُفترض أن يكونوا في فصول الدراسة أو ساحات اللعب، إلى كابوس دائم من الرعب والفقدان.
وفي أحدث الأرقام الصادمة؛ قدّرت وكالة “الأونروا” أن الاحتلال يقتل يومياً في قطاع غزة ما يعادل صفاً دراسياً كاملاً من الأطفال، أي ما يتراوح بين 35 إلى 45 طفلاً في اليوم الواحد.
وتلخص هذه الإحصائية المرعبة المأساة التي يعيشها الأطفال الفلسطينيون، وتكشف عن حجم الجريمة المستمرة بحقهم، في واحدة من أبشع صور الانتهاك الجماعي لحقوق الإنسان في العصر الحديث.
ومنذ بداية الإبادة الجماعية في 7 أكتوبر 2023، قُتل أكثر من 18 ألف طفل، وأُدخل نحو 17 ألفاً إلى المستشفيات، بعضهم بإصابات خطيرة، وآخرون فقدوا أطرافهم أو بصرهم أو عائلاتهم بالكامل. أما من نجا من القتل المباشر، فبات يعيش نكبة أخرى عنوانها النزوح المتكرر، الجوع، العطش، وفقدان المأوى والتعليم والأمان.
وتمارس قوات الاحتلال سياسة ممنهجة لتدمير البنية التحتية الأساسية، بما يشمل المدارس والمستشفيات وشبكات المياه والكهرباء، مما يجعل الحياة مستحيلة داخل القطاع. وتحولت معظم مدارس “الأونروا” إلى ملاجئ للنازحين، قبل أن تتحول بدورها إلى أهداف للقصف.
ولا تقع هذه الجرائم بمعزل عن القانون الدولي، بل تُمثل خرقاً صارخاً لاتفاقيات جنيف، وتُكيّف قانونياً كجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وخصوصاً أنها تستهدف فئة الأطفال، التي تتمتع بحماية خاصة بموجب القانون الإنساني الدولي واتفاقية حقوق الطفل. كما أن التدمير المنهجي المتعمد لفرص الحياة والتعليم، يُعد شكلاً من أشكال الإبادة التي لا تقتصر على القتل، بل تمتد إلى تدمير مستقبل أمة بأكملها.
ورغم الأوامر الصادرة من محكمة العدل الدولية بوقف العمليات العسكرية، يواصل الاحتلال عدوانه، بدعم سياسي وعسكري معلن من قوى دولية، وسط صمت مريب من معظم المنظومة الدولية، ما يزيد من فداحة الجريمة ويوسّع فجوة العدالة في وجه شعب محاصر يُقتل أطفاله كل يوم.
إن ما يجري في غزة ليس مجرد صراع، بل جريمة مستمرة تهدف إلى محو وجود الشعب الفلسطيني مادياً ومعنوياً، في تحدٍ صارخ للضمير العالمي والإنسانية جمعاء.