وسط صمت دولي مخزٍ، وعجز متفاقم عن حماية المدنيين؛ يواصل الاحتلال الإسرائيلي ارتكاب جرائم ممنهجة بحق سكان قطاع غزة، في سياق حرب إبادة جماعية تتواصل للشهر الـ21 على التوالي.
ومنذ فجر اليوم السبت حتى لحظة نشر هذا التقرير؛ قُتل 28 فلسطينياً في أنحاء متفرقة من قطاع غزة، بينهم 17 مدنياً كانوا ينتظرون مساعدات إنسانية، إلى جانب ثلاث نساء وعدد من الأطفال، جراء عمليات قصف وقنص شنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على المنازل وخيام النزوح والتجمعات السكانية، وفق ما أفادت به مصادر طبية وشهود عيان.
وفي وسط القطاع، استهدفت طائرات الاحتلال منزلاً سكنياً جنوب بلدة الزوايدة، ما أدى إلى مقتل عائلة كاملة من خمسة أفراد – رجل وزوجته وأطفالهما الثلاثة – في جريمة تعكس النمط المتكرر في استهداف الأسر الفلسطينية داخل مساكنها. كما قُتل فلسطيني آخر وأصيب عدد من المدنيين في قصف لتجمع سكاني في البلدة نفسها.
وفي خان يونس جنوبي القطاع؛ استهدفت الطائرات المسيّرة التابعة للاحتلال خياماً تؤوي نازحين قرب مفترق الصناعة، ما أسفر عن مقتل ثلاثة فلسطينيين وإصابة آخرين.
وفي هجوم مماثل، قتلت أم وابنتها بقصف استهدف خيمة قرب “بوابة سجن أصداء” الذي أصبح مأوى لمئات العائلات المهجرة قسراً.
وليلاً؛ واصل جيش الاحتلال تنفيذ سياسة “الأرض المحروقة” عبر تفجير منازل ومنشآت مدنية في الأحياء الشرقية لمدينة خان يونس، في إطار عملية تهجير منهجية.
وفي رفح؛ ارتكبت القوات الإسرائيلية مجزرة جديدة ضد الجوعى المنتظرين للمساعدات، إذ فتحت نيرانها على تجمع مدني قرب مركز توزيع الأغذية التابع لما يُعرف بـ”مؤسسة غزة الإنسانية”، ما أسفر عن مقتل 4 فلسطينيين وإصابة العشرات.
وفي مدينة غزة؛ استُهدفت شقة لعائلة اليازجي في حي عايدية، مما أدى إلى وقوع إصابات في صفوف المدنيين، بينهم أطفال.
ويتجاوز ما يجري في قطاع غزة حدود أي نزاع مسلح تقليدي، ويدخل في إطار حرب إبادة جماعية مكتملة الأركان. فالاستهداف المتعمد للمدنيين، بمن فيهم الجرحى والنازحون والمنتظرون لمساعدات غذائية، لا يمكن تبريره تحت أي ذريعة عسكرية.
وتُظهر هذه الأفعال نية واضحة لتدمير مجتمع بأكمله، عبر القتل الجماعي، والتجويع القسري، والتدمير المنهجي للمساكن والبنى التحتية، ما يمثل انتهاكاً صارخاً لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها (1948) واتفاقيات جنيف، التي تحظر استهداف المدنيين في النزاعات المسلحة.
ويُفلت الاحتلال الذي يحظى بدعم سياسي وعسكري غربي، وعلى رأسه الدعم الأمريكي المفتوح، من المحاسبة منذ عقود، ما يشجعه على مواصلة ارتكاب الجرائم دون خشية من العدالة الدولية.
ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، قتلت آلة الحرب الإسرائيلية، بحسب الإحصاءات الطبية الميدانية، ما يزيد على 208 آلاف فلسطيني بين قتيل وجريح، معظمهم من الأطفال والنساء، بينما لا يزال أكثر من 9 آلاف مفقود تحت الأنقاض أو في عداد المختفين.
وبينما تواصل المجاعة حصد الأرواح في مختلف مناطق القطاع، يعيش مئات الآلاف من السكان في ظروف تهجير قسري، بلا مأوى ولا غذاء ولا مياه، وسط انهيار شبه كامل للنظام الصحي والخدمات الإنسانية، مع استمرار الحصار المشدد ومنع دخول الوقود والدواء والغذاء.
إن عجز المجتمع الدولي عن إيقاف حرب الإبادة في قطاع غزة، لا يمثل فقط فشلاً أخلاقياً وقانونياً، بل تواطؤاً صامتاً في واحدة من أكثر الجرائم الإنسانية دموية في القرن الـ21.