بينما تتوالى فيه التقارير عن المجازر والانتهاكات الجسيمة بحق المدنيين في قطاع غزة؛ تواصل سلطات الاحتلال الإسرائيلي فرض حظر مشدد على دخول الصحفيين الدوليين إلى القطاع منذ بدء حرب الإبادة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وفي ظل هذا التعتيم الإعلامي المتعمّد؛ يصير الصوت الفلسطيني الوحيد المتاح للعالم – والذي يدفع ثمنه الصحفيون المحليون من دمائهم – شاهداً حياً على إصرار سلطات الاحتلال على طمس الحقائق، وإدارة حرب ليس فقط على الأرض، بل أيضاً على الذاكرة والرواية والوعي الإنساني.
وقد وصف المفوض العام لوكالة “الأونروا”، فيليب لازاريني، هذا الحظر بأنه “منع لنقل الحقيقة”، محذراً من نتائجه على تغذية التضليل وتغييب الإنسانية، داعياً إلى رفع القيود فوراً والسماح بالتغطية الصحفية المستقلة من داخل القطاع، دعماً للحقيقة وللعدالة، ووفاء لحق الضحايا في أن تُروى قصصهم، لا أن تُمحى في صمت.
وأوضح لازاريني أن هذا المنع لا يقتصر على تقييد حرية التغطية الصحفية، بل يؤسس لبيئة إعلامية مغلقة تُسهّل انتشار التضليل وتغذّي الاستقطاب، وتحرم الضحايا من رواية ما يتعرضون له من معاناة يومية.
وأضاف أن هذا الوضع يؤذي القيم الإنسانية، ويقطع جسور التواصل بين الشعوب ويقوّض الوعي العام بالقضية.
وطالب لازاريني برفع هذا الحظر فوراً، والسماح للصحفيين الدوليين بالدخول إلى قطاع غزة وممارسة عملهم بحرية واستقلالية، مؤكداً أهمية دعم الصحفيين الفلسطينيين الذين يواصلون أداء واجبهم المهني تحت القصف، ويدفعون حياتهم ثمناً لنقل الحقيقة.
ولا يمكن النظر إلى منع التغطية الصحفية الدولية في غزة، بمعزل عن السياق الأوسع لحرب الإبادة المستمرة، التي أسفرت عن مقتل أكثر من 180 ألف مدني ومصاب، غالبيتهم من الأطفال والنساء، بالإضافة إلى ما يزيد عن 11 ألف مفقود، ونزوح جماعي طال مئات آلاف السكان، وسط مجاعة خانقة ودمار هائل.
ويشكل ما يجري في قطاع غزة من تعتيم إعلامي وانقطاع للرواية الإنسانية الحيّة، تهديداً مباشراً للقيم العالمية المشتركة، وعلى رأسها حرية الصحافة، وحق الشعوب في المعرفة، والحماية من الجرائم الجماعية.
إن استمرار الحصار الإعلامي على غزة هو جريمة بحد ذاته، وجزء من البنية الكاملة لسياسة الاستهداف والإبادة، ويستوجب تحركاً فورياً لفتحه وإنهاء الصمت المفروض قسراً على واحدة من أعقد المآسي الإنسانية في العصر الحديث.