واصل الاحتلال الإسرائيلي حرب الإبادة الجماعية التي يشنها ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، حيث قُتل 32 مدنياً، بينهم 11 من منتظري المساعدات، وأُصيب العشرات، في سلسلة غارات جوية وإطلاق نار استهدفا منازل وخياماً وتجمعات بشرية في مناطق مختلفة من القطاع، منذ صباح اليوم.
وتتزامن هذه الهجمات مع كارثة إنسانية غير مسبوقة، في ظل الحصار الخانق، وانهيار الخدمات الأساسية، وانتشار المجاعة، واستمرار عمليات القصف والقتل الجماعي، التي لا تميز بين طفل وامرأة أو مدني ومقاتل.
ففي جنوب مدينة غزة؛ ارتكب جيش الاحتلال مجزرة جديدة، راح ضحيتها 11 مدنياً وأُصيب عشرات آخرون، بعد أن أطلق جنوده النار بشكل مباشر على حشد من الجوعى كانوا يتجمعون قرب محور نتساريم، في انتظار شاحنات المساعدات التي يُسمح بدخول عدد محدود جداً منها إلى القطاع.
وبحسب شهود عيان؛ فإن المدنيين الذين يفترشون الأرض ساعات طويلة طلباً للطعام، يتعرضون بشكل متكرر لنيران قوات الاحتلال أو لعمليات سطو مسلح تنفذها عصابات مدعومة ضمنياً من الاحتلال، في محاولة لإشاعة الفوضى وتحطيم البنية الاجتماعية للمجتمع الفلسطيني المنكوب.
وفي حي الزيتون جنوب مدينة غزة، أدى قصف جوي إلى مقتل ثلاثة فلسطينيين من عائلة المناصرة، بينهم طفل، وإصابة عدد آخر، بعدما استُهدف منزلهم بشكل مباشر.
أما في وسط القطاع، فقد أسفر قصف مماثل على منزل في مخيم المغازي عن مقتل عشرة مدنيين، بينما لقي ثمانية آخرون مصرعهم، بينهم أطفال، إثر قصف خيمتين تأويان نازحين في منطقة المواصي غرب خان يونس، جنوبي القطاع.
ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، يعيش سكان غزة تحت نيران حرب تُمارَس فيها أدوات الإبادة الجماعية بشكل مباشر: القتل العشوائي، والحصار المطبق، والتجويع، والتدمير المنهجي للمنازل والمرافق الصحية والتعليمية، وتهجير السكان قسراً من مناطقهم.
ولا تقتصر الجرائم المتواصلة على القصف فحسب، بل تشمل سياسات مدروسة تهدف إلى سحق مقومات الحياة، ومنع وصول الغذاء والماء والدواء، واستهداف المدنيين في ملاجئهم، وترويعهم بعمليات قصف متكررة على مناطق النزوح.
وحتى لحظة إعداد هذا التقرير؛ تجاوز عدد القتلى والمصابين في غزة 185 ألف فلسطيني، غالبيتهم من النساء والأطفال، فضلاً عن أكثر من 11 ألف مفقود، ومئات الآلاف من النازحين الذين يفترشون الأرض في ظروف معيشية مأساوية، تحت خطر المجاعة والأوبئة.
ورغم صدور أوامر من محكمة العدل الدولية تطالب بوقف العدوان، فإن الاحتلال يواصل ارتكاب الجرائم ذاتها، مستنداً إلى دعم سياسي وعسكري من دول كبرى، ما يجعله عملياً خارج إطار المساءلة.
إن ما يجري في غزة ليس مجرد نزاع مسلح، بل نموذج حي لإبادة جماعية ترتكب في القرن الحادي والعشرين بوسائل القتل الحديثة، في ظل صمت دولي مريب، وتواطؤ واضح في تعطيل مسارات العدالة، وترك المدنيين لمصيرهم تحت القصف والمجاعة والدمار.