استيقظ قطاع غزة، اليوم السبت، على مجازر دموية جديدة ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي في مناطق متفرقة من القطاع، راح ضحيتها 43 قتيلاً، بينهم 32 مدنياً استُهدفوا أثناء انتظارهم الحصول على مساعدات إنسانية، في مشهد يعكس استمرار سياسة القتل الممنهج والتجويع كسلاح حرب ضد السكان المدنيين.
وتوزعت الضربات الدامية على مختلف مناطق القطاع، حيث أفادت مصادر طبية بمقتل 3 مواطنين برصاص الاحتلال خلال انتظارهم دورهم للحصول على مساعدات غذائية غرب مدينة رفح، ليرتفع عدد قتلى هذا الهجوم إلى 32.
ويأتي ذلك في وقت يعيش فيه الفلسطينيون في غزة تحت حصار خانق يقطع عنهم الغذاء والدواء والماء، ما يجعل مشاهد التجمع للحصول على المساعدات محفوفة بالموت.
وفي مدينة خان يونس جنوب القطاع، قُتل اثنان من المدنيين جراء قصف الاحتلال لخيام تأوي نازحين غرب المدينة، وهي خيام أقيمت على عجل في العراء بعد تهجير آلاف العائلات من منازلها بفعل الحرب.
أما في شمال القطاع، فقد استهدف القصف تجمعاً للمواطنين في بلدة جباليا، ما أسفر عن مقتل اثنين، في حين قُتل 7 آخرون وأصيب 17 بجروح خطيرة إثر قصف استهدف خياماً للنازحين قرب مدرسة “التابعين” شرق مدينة غزة.
كما تسبب قصف جوي جديد في محيط مجمع الشفاء الطبي، أكبر المراكز الطبية المتبقية في القطاع، بإصابة عدد من المدنيين داخل شقة سكنية، في انتهاك صارخ لحرمة المرافق الصحية وسلامة السكان المجاورين.
ولا يمكن توصيف ما تشهده غزة سوى بكونه حرب إبادة جماعية، ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي بشكل ممنهج، في ظل تجاهل كامل لأبسط قواعد القانون الدولي الإنساني. فالاستهداف المتكرر لتجمعات المدنيين العُزَّل، سواء خلال محاولتهم الحصول على الغذاء، أو أثناء نزوحهم من مناطق القصف، يشير إلى نمط متكرر من جرائم القتل العمد.
وبدلاً من أن تكون المساعدات الإنسانية وسيلة لإنقاذ الأرواح، تحوّلت في غزة إلى مصيدة موت، إذ يستخدم الاحتلال النقص الحاد في الغذاء والدواء كسلاح لإخضاع السكان، ثم يستهدفهم أثناء سعيهم للبقاء على قيد الحياة. وهذا السلوك يُكيّف قانوناً كجريمة حرب بل وكجريمة ضد الإنسانية، إذ يتعمد معاقبة السكان كجماعة، ويمنع عنهم شروط الحياة الأساسية.
ومنذ اندلاع الحرب في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بلغ عدد الضحايا أكثر من 198 ألفاً بين قتيل وجريح، بحسب إحصاءات محلية، غالبيتهم من النساء والأطفال، فضلاً عن أكثر من 9 آلاف مفقود لا يزال مصيرهم مجهولاً تحت الأنقاض. كما يواجه مئات الآلاف خطر المجاعة والأوبئة في ظروف تهجير قسري تفتقر لأدنى مقومات الحياة.
وتواصل قوات الاحتلال ارتكاب جرائمها دون أي محاسبة، رغم صدور أوامر دولية من محكمة العدل الدولية تدعو إلى وقف العمليات العسكرية التي تستهدف المدنيين، وهو ما يؤكد غياب الإرادة الدولية في فرض العدالة، ويطرح تساؤلات عن نجاعة نظام القانون الدولي القائم.
إن ما يجري في غزة اليوم ليس مجرد صراع مسلح، بل نموذج واضح لحرب إبادة تُنفَّذ بأدوات عسكرية وتجويعية، تستهدف تحطيم مقومات الحياة، وكسر إرادة شعب بأكمله، بينما العالم يكتفي بالتفرج أو التواطؤ.