في خطوة جديدة تعكس استمرار سياسة الاستيطان والضم الزاحف، استولى جيش الاحتلال الإسرائيلي على نحو 70 دونماً من أراضي ثلاث قرى فلسطينية في محافظة نابلس شمالي الضفة الغربية، بزعم “الأغراض العسكرية والأمنية”، في إجراء يعيد إنتاج آلية السيطرة التدريجية على الأرض الفلسطينية تحت غطاء قانوني مزعوم.
ويستهدف القرار العسكري الصادر في 21 سبتمبر/أيلول الماضي، والذي لم يُعلن إلا بعد انقضاء المدة القانونية للاعتراض، أراضي قرى قريوت، واللبن الشرقي، والساوية، لإقامة منطقة عازلة حول مستعمرة “عيلي” المقامة على أراضي الفلسطينيين.
ووفقاً لقواعد القانون الدولي الإنساني، تُعدّ مصادرة الأراضي المحتلة أو تغيير طابعها السكاني انتهاكاً صريحاً للمادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة، التي تحظر على القوة المحتلة نقل سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها أو الاستيلاء عليها إلا لضرورة عسكرية مؤقتة ومحددة.
لكن الاحتلال، عبر تكرار أوامر “الوضع تحت اليد” يستخدم هذا الاستثناء لتبرير الاستيلاء الدائم والممنهج على الأراضي، بما يخالف مبدأ عدم جواز اكتساب الأراضي بالقوة المنصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن، وخاصة القرارين 242 و2334.
ويتجاوز ما يجري في الضفة الغربية اليوم مفهوم الاحتلال العسكري التقليدي إلى نظام فصل عنصري مكتمل الأركان، يقوم على السيطرة المكانية والتجزئة الديمغرافية، وتحويل القرى الفلسطينية إلى جيوب محاصرة بين المستوطنات والمناطق العسكرية. فالمنطقة العازلة التي يعتزم الاحتلال إقامتها حول مستعمرة “عيلي” تمثل إجراءً هندسيا ديمغرافيا يهدف إلى توسيع المستوطنة ومنع التمدد العمراني الفلسطيني.
وتزامن هذا القرار مع تصاعد غير مسبوق في الانتهاكات الإسرائيلية بالضفة الغربية منذ اندلاع الإبادة في قطاع غزة، حيث تجاوز عدد القتلى الفلسطينيين ألفاً و50 قتيلا، فيما أصيب أكثر من 10 آلاف، واعتُقل ما يزيد عن 20 ألفاً بينهم أطفال، في تزامن يكشف عن وحدة المشروع الإسرائيلي في الأرض المحتلة: القتل الجماعي هناك، والاقتلاع المكاني هنا.
إن الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية تحت ذريعة الأمن ليس سوى غطاء قانوني زائف لعملية نهب منظمة، تُمارسها قوة احتلال تسعى إلى تفريغ الأرض من أصحابها وتحويلها إلى فضاء استيطاني خالص. وفي ضوء استمرار هذه السياسات؛ تصبح الحاجة إلى تحرك دولي فاعل لتفعيل الولاية القضائية العالمية ومحاسبة قادة الاحتلال على جرائم التهجير والاستيطان مطلباً إنسانياً وأخلاقياً ملحاً، لا مجرد دعوة حقوقية.