لا يقتصر الموت في قطاع غزة على القصف فقط، فالجوع يفتك، والدواء مفقود، والمساعدات تُمنع عمداً، ومع استمرار الحصار؛ تتحول الحياة في القطاع إلى كابوس يومي يهدد أكثر من مليوني إنسان.
وفي هذا السياق؛ قالت المتحدثة باسم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” لويز ووتريدج، إن “الجوع في غزة ليس سوى جزء من الأهوال” التي يعيشها المدنيون في القطاع، مشيرة إلى أن المساعدات الغذائية والطبية والتعليمية جاهزة في مستودعات الوكالة في العاصمة الأردنية عمان، لكنها محاصرة بفعل العراقيل التي يفرضها الاحتلال.
وأضافت خلال مؤتمر صحفي من مكتب الأمم المتحدة في جنيف أن الإمدادات التي تكفي لإطعام 200 ألف شخص لمدة شهر، لا تبعد سوى ثلاث ساعات عن غزة، لكنها لم تصل بسبب منع الاحتلال لها، رغم دخول خمس شاحنات فقط بعد رفع جزئي ومؤقت للحصار دام 11 أسبوعًا، وهي كمية لا تسمن ولا تغني من جوع في منطقة يعيش فيها نحو 2.4 مليون إنسان.
وأدى هذا التأخير المتعمد في إدخال المساعدات، واستمرار إغلاق المعابر منذ 2 مارس/آذار، إلى دخول القطاع مرحلة المجاعة الكاملة، وفقًا لمؤشرات إنسانية واضحة على الأرض، حيث يُقتل الناس بسبب الجوع، كما يُقتلون تحت القصف، وتنتشر صور الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية الحاد، وتتوالى القصص المروعة عن أسر تعيش بلا طعام ولا ماء ولا دواء.
إن منع دخول المساعدات لا يُعد فقط مخالفة أخلاقية، بل هو جريمة حرب بموجب القانون الدولي الإنساني، حيث يُمنع على أي طرف متحارب استهداف المدنيين أو منع الإغاثة عنهم. وتنص المادة 54 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف، على حظر استخدام التجويع كسلاح، وهو بالضبط ما يمارسه الاحتلال في غزة.
كما أن منع الإمدادات الطبية عن المستشفيات، وحرمان الأطفال من الرعاية الأساسية، يدخل في إطار القتل البطيء والتعذيب الجماعي الذي لا يمكن وصفه إلا بأنه شكل من أشكال الإبادة الجماعية الصامتة.
وتجدر الإشارة إلى أنه منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، يُنفذ الاحتلال عملية عسكرية موسعة ضد المدنيين في غزة، أدت إلى أكثر من 175 ألف قتيل وجريح، معظمهم من الأطفال والنساء، مع أكثر من 11 ألف مفقود ما زالوا تحت الأنقاض. وإلى جانب ذلك، أدى التهجير القسري وتدمير البنية التحتية والخدمات الأساسية إلى تحويل غزة إلى سجن كبير بلا ماء ولا كهرباء ولا غذاء.
إن ما يحصل في غزة ليس مجرد أزمة إنسانية، بل جريمة مستمرة ضد الإنسانية بكل المقاييس. واستخدام الحصار والتجويع والمنع المتعمد للمساعدات ليس حالة طارئة، بل سياسة ممنهجة لإبادة السكان، تستهدف تدمير الحياة من جذورها، وهو ما يجب أن يُحاسب عليه الاحتلال أمام المحاكم الدولية، لا أن يُكافأ بالدعم السياسي والعسكري الغربي.