في واحدة من أبشع صور الإبادة الجماعية المعاصرة؛ كشفت معطيات رسمية صادرة عن “المكتب الإعلامي الحكومي” في قطاع غزة عن تسجيل 197 حالة وفاة بسبب سوء التغذية منذ بدء حرب الإبادة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، بينهم 96 طفلاً و101 من البالغين.
وتزايدت حالات الوفاة الناتجة عن الجوع وسوء التغذية بشكل متصاعد مع استمرار العدوان، حيث سُجّلت 4 حالات وفاة في عام 2023، وارتفع العدد إلى 50 حالة في عام 2024، قبل أن يشهد عام 2025 انفجاراً مأساوياً في الأرقام بواقع 143 حالة وفاة حتى الآن، ما يعكس تسارعاً خطيراً في تفشي المجاعة ونتائجها القاتلة.
وتمثل هذه الأرقام أدلة دامغة على أن الاحتلال يستخدم الجوع كسلاح جماعي موجه ضد السكان، في خرق فاضح للقانون الدولي الإنساني، واتفاقيات جنيف التي تحظر استخدام “التجويع كأسلوب من أساليب الحرب”.
وفي سياق متصل، حذّرت الأمم المتحدة من أن معدلات سوء التغذية الحاد بين الأطفال في قطاع غزة بلغت “أعلى مستوى تم تسجيله على الإطلاق”، في تحذير يعكس حجم الكارثة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، تحت أنظار العالم وصمته.
وصرّح فرحان حق، نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، بأن الأزمة تتفاقم بشكل خاص بين الأطفال، مشيراً إلى أن 12 ألف طفل دون سن الخامسة شُخّصوا بسوء تغذية حاد خلال يوليو/تموز فقط، منهم 2500 طفل معرضون للموت الفوري.
ويمثل هذا الرقم ارتفاعاً بنسبة 18% مقارنة بشهر يونيو/حزيران الماضي، ما يؤكد أن منحنى الخطر في تصاعد حاد، في ظل عدم وجود أي تدخل فاعل لإيقاف المأساة.
وأشارت الأمم المتحدة إلى أن قيود الاحتلال الإسرائيلي المفروضة على توزيع المساعدات لعبت دوراً أساسياً في تفاقم الأزمة. ففي يوليو، تمكن العاملون في المجال الإنساني من الوصول إلى 3% فقط من الأطفال المحتاجين للمساعدة الغذائية، وهو رقم يعكس حجم التضييق المتعمد على دخول الغذاء، ويدل على نية واضحة في تعميق المجاعة واستغلالها كسلاح إبادة جماعية.
وتتواصل جرائم الإبادة الجماعية التي ينفذها الاحتلال في غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وسط دعم أمريكي غير مشروط، وصمت دولي مريب.
وفي آخر إحصائية؛ خلفت الحرب أكثر من 211 ألف قتيل وجريح، معظمهم من النساء والأطفال، إلى جانب ما يزيد على 9 آلاف مفقود، في وقت يعيش فيه مئات آلاف النازحين أوضاعاً كارثية تحت خيام ممزقة، دون ماء نظيف أو خدمات صحية أو غذاء كافٍ.
إن ما يحدث في غزة ليس مجرّد “أزمة إنسانية” كما تحاول بعض الجهات تسويقه، بل هو إبادة جماعية ممنهجة، تستخدم فيها كل الوسائل المحرّمة، من القصف العشوائي إلى التهجير القسري، ومن الحصار الخانق إلى تجويع المدنيين حتى الموت.