بدون دعم المملكة المتحدة لن تتمكن المملكة العربية السعودية من الطيران في اليمن وهذا هو دور التسليح البريطاني للسعودية
حظيت عملية اغتيال خاشقجي باهتمام دولي كبير لأن السفارات من المفترض أن تكون حجر الأساس في احترام القانون الدولي مما جعل الجريمة فاضحة
75 في المائة من السكان اليمنيين (بينهم 10 ملايين طفل) بحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة، وأكثر من 56ألف يمني قتلوا حتى الآن نتيجة للعدوان العسكري السعودي المدعوم بأسلحة بريطانية
عقدت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا ندوة بعنوان “الأثر السلبي لتجارة الأسلحة البريطانية/السعودية في ضوء مقتل جمال خاشقجي والحرب على اليمن” في “شاندوس هاوس” بلندن الجمعة 07 ديسمبر كانون الأول 2018.
ضمت الندوة ستة من أبرز الخبراء في مجالات حقوق الإنسان والإعلام ذوي خلفيات سياسية وأكاديمية عالية، وقد أدارت الندوة فيرونيكا بيدروسا، المذيعة السابقة بشبكات الـ “بي بي سي” والـ “سي ان ان”، وغيرها من المنافذ الإخبارية البارزة.
افتتحت فيرونيكا الندوة بتوضيح أهمية الموضوع محل النقاش خاصة في ضوء مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي ودعت إلى إجراء فحص شامل “للعلاقات الخاصة” بين المملكة المتحدة والمملكة العربية السعودية على الرغم من سجل السعودية المخزي في مجال حقوق الإنسان، ودورها العدواني الغير مرن في المنطقة وخارجها.
هانا فيليبس -باحثة في المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا- سلطت في بداية حديثها الضوء على أوضاع السكان اليمنيين قائلة إن أنحو 75 في المائة من السكان اليمنيين (بينهم 10 ملايين طفل) بحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة، وأضافت أن أكثر من56 ألف يمني قتلوا حتى الآن نتيجة للعدوان العسكري السعودي المدعوم بأسلحة بريطانية، بالإضافة إلى اضطرار نحو 3 ملايين شخصاً للنزوح الداخلي.
منذ مقتل خاشقجي في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول 2018، لم تمارس دول أوروبا الغربية الضغط المطلوب على نظام ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على الرغم من أن تقارير الجماعات المستقلة بما في ذلك وكالة المخابرات المركزية البريطانية (CIA) تفيد بأن بن سلمان يتحمل مسؤولية مباشرة عن عملية اغتيال خاشقجي.
في هذا السياق قالت فيليبس “إن المنظمة تشعر بقلق بالغ من أن الإذعان لانتهاكات بن سلمان سيؤدي إلى مزيد من إساءة استخدام الحقوق والحريات، وسيؤدي إلى سحق الديموقراطية في المملكة” مضيفة أنه “دون اتخاذ تدابير مساءلة رسمية فعالة ستزداد الأمور سوءًا، وعلاوة على ذلك، يجب على المجتمع الدولي اتخاذ موقف عاجل وحاسم ضد ممارسات النظام السعودي”
وفي بداية كلمته دعا أندرو سميث -رئيس قسم الإعلام في الحملة الدولية ضد تجارة الأسلحة (CAAT) – المجتمع الدولي إلى مزيد من الاهتمام بما يحدث في اليمن، ليس فقط بالذين قتلوا في اليمن من خلال الهجوم العسكري السعودي، ولكن أيضا التركيز على الملايين الذين يعانون ويلات الكارثة الانسانية المتزايدة. وأضاف “يبدو أن حكومتنا تبعث برسالة مفادها أنها لا تهتم بما يحدث في اليمن، رغم سوء الوضع الإنساني هناك، وأنها ستواصل إرسال أكبر عدد ممكن من الأسلحة”
وقال سميث أن “تجارة الأسلحة بين المملكة المتحدة والسعودية، في الواقع، هي صناعة غير قانونية”. كما تحدث عن القضية التي رفعتها CAAT أمام المحكمة العليا في أبريل ضد تسليح بريطانيا للسعودية -والتي سيتم الفصل فيها العام المقبل- تعد خطوة مهمة في التأثير على خريطة مبيعات الأسلحة في المملكة المتحدة في المستقبل، والتي تُستخدم في مناطق الصراع.
وأشار سميث إلى أن “مبيعات الأسلحة تلك مهمة للغاية، فبدون دعم المملكة المتحدة، لا يمكن للمملكة العربية السعودية أن تطير طائراتها في اليمن، ولن تدار الحرب بالطريقة الحالية”، واصفاً سياسات المملكة المتحدة بأنها “منافقة، وذلك لدعائها أنها تشعر بالقلق إزاء حقوق الإنسان ومع ذلك فإن أسوأ كارثة إنسانية في العالم في اليمن تتم برعايتها”.
بن كيث -المحامي بمكتب 5 سانت أندرو هيل والمتخصص في قضايا حقوق الإنسان وتسليم المجرمين، قال في كلمته أنه “في حين أن المجتمع الدولي يميل إلى تجاهل انتهاكات حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية، فإنه لم يكن قادراً على تجاهل الانتهاك الصارخ للقانون الدولي الذي تم باغتيال خاشقجي”.
وأضاف “قتل خاشقجي حظي باهتمام كبير ليس فقط بسبب وحشية العمل بل لأن السفارات من المفترض أن تكون حجر الأساس لاحترام القانون الدولي وبالتالي كانت تلك الجريمة فاضحة”
وفي كلمته استعرض البروفيسور بول رينولدز ـ المستشار الاقتصادي السابق في العلاقات الدولية، وكبير المستشارين السياسيين لقوات التحالف في العراق ـ “العلاقات الخاصة” للمملكة المتحدة مع المملكة العربية السعودية التي بدأت بعلاقة عسكرية منذ الستينيات، والتي تشهد تسارعاً ملحوظاً في الآونة الأخيرة مع وجود الحرب على اليمن. وقال في هذا الخصوص “منذ بدء الحرب على اليمن، أصبح من الواضح أن هناك عنصراً في واشنطن يشكك دائماً في تجارة الأسلحة الأمريكية/السعودية وأن بريطانيا استغلت ذلك لتحقيق مكاسب مالية”، وكتدليل على ذلك، فقد شارك البريطانيون في إعادة تموين الطائرات التي تستهدف اليمن، كما كان هناك تدريب مستهدف في الرياض بدعم من المملكة المتحدة.
وذكر رينولدز أنه قبل الحرب في عام 2015 كانت هناك صفقة على الطاولة، أفسدتها الحرب القتالية السعودية، مما أدى إلى إفشال متعمد للسلام في سبيل تسهيل الحرب.
وأضاف رينولدز “ساعدت الحرب على اليمن في إثارة قضية بيع الأسلحة للسعودية واعتباره مشروع سلبي، وبعد عملية القتل الوحشية لخاشقجي أخذ الموضوع أهمية أكبر”، لكن على الرغم من حظر الخطوط الرئيسية لمبيعات الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية من دول مثل ألمانيا وإسبانيا، فقد أدى الضغط السياسي الكبير إلى “تشذيب” هذا الحظر الأحادي على مبيعات الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية.
ووصف رينولدز المناخ الحالي بأنه “لا يزال أكثر مناسبة لإعادة النظر في تجارة الأسلحة بين المملكة المتحدة والمملكة العربية السعودية”.
وفي كلمته ركز ماهان عابدين، محلل ومسؤول إخباري في منطقة الشرق الأوسط، على تعامل المملكة المتحدة مع مبيعات الأسلحة في اليمن ووصف استجابتها للتطورات في اليمن بأنها “مضطربة للغاية، خاصة كون المملكة المتحدة لا تمتلك توجهاً سياسياً محدداً بعد الخروج من البرلمان الأوروبي”، علاوة على ذلك
“على المستوى الإقليمي، فإن السياسة البريطانية القائمة منذ فترة طويلة على الحفاظ على النفوذ تتلاشى، والصراع في اليمن سيعزز من تلك الفرضية”.
وأضاف عابدين “سياسة المملكة المتحدة قد شجعت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في اليمن بشكل كبير، إلا أن موقف المملكة المتحدة أصبح غير مقبولاً”.
أما بالنسبة لدولة الإمارات العربية المتحدة، فإن لها دوراً ملحوظاً وبارزاً في الحرب في اليمن وعلى كل الأطراف، وقد كان واضحا تقاعس المملكة المتحدة تجاهها وتجلى ذلك نسبيا في قضية ماثيو هيدجز، وفي هذا السياق قال عابدين “من خلال قراءة الوضع الحالي فإن الإمارات العربية المتحدة تعتبر نفسها الآن قوة عالمية وإقليمية وتشعر أن بإمكانها كبح أي ضغط يُمارس من قبل بريطانيا”.
وعلى الرغم من ذلك، يعتقد عابدين أن المملكة المتحدة لا تزال قادرة على لعب دور إيجابي وفعال من خلال وقف تصدير التراخيص إلى المملكة العربية السعودية.
اختتم بيل لو -الصحفي السابق في البي بي سي والمتخصص في شؤون دول الخليج والشرق الأوسط، الندوة المسائية بالحديث عن كيفية ممارسة الضغط على حكومة المملكة المتحدة لعكس سياستها التجارية في مجال تجارة الأسلحة مع المملكة العربية السعودية.
وبدأ حديثه قائلاً “إن حكومة المملكة المتحدة لن تعكس سياستها القديمة على المملكة العربية السعودية”، لأن “هناك الكثير جداً على المحك بعد “بريكست”، بحلول الساعة 11:00 مساءً 29 مارس/آذار 2019، وهو الموعد النهائي لمغادرة الاتحاد الأوروبي، فعلى الحكومة أن تتأمل – حتى لو كانت لديها القدرة- إعادة تشكيل جذري لعلاقتنا بالسعودية”.
وفيما يتعلق بتاريخ ومستقبل تجارة الأسلحة بين المملكة المتحدة والمملكة العربية السعودية، أبرز بيل لو ما يلي: “أولاً وقبل كل شيء، المليارات المنفقة في تجارة الأسلحة، ثم الالتزامات الأمنية بيننا وبين السعوديين، تُذكرنا بامتناع حكومة بلير عن متابعة التحقيق في الرشوة في فضيحة صفقة اليمام بعد أن هدد السعوديون بالانسحاب من الترتيبات الأمنية المشتركة آنذاك، كان ذلك في2006، وخلص الحكم إلى أننا كنا في حاجة إلى هذا الترتيب لحماية مواطنينا من الهجمات الإرهابية”.
“أيضاً الصداقة التاريخية بين السعوديين والبريطانيين التي يتم إبرازها دائما من قبل السفراء والسياسيين في المحافل الدولية المختلفة والبعثات التجارية والدبلوماسية، وهو ما يوضح بأن لدينا رابط خاص وفريد من نوعه بدول الخليج ترتكز على العلاقات القديمة ولرغبة العائلات الحاكمة الدائمة في الحفاظ على هذا الرباط مع ملوك بريطانيا”
ودعا بيل لو القادة السياسيين إلى اتخاذ المزيد من الإجراءات قائلاً “يحتاج قادتنا السياسيون إلى إظهار القليل من الشجاعة، لقد اتخذ الألمان بالفعل بعض الخطوات، ويبدو أن الدنماركيين والنرويجيين والفرنسيين لن يكونوا مختلفين عنهم، إن مشروع قانون يدعو إلى إنهاء فوري للحرب الجوية، ووضع حداً للأسلحة البريطانية المباعة للسعودية والمستخدمة في النزاع، والدعم غير المشروط لمباحثات السلام التي من المقرر أن تبدأ في السويد، سيكون بداية جيدة”.
واختتم بيل لو حديثه بمناشدة المسؤولين باتخاذ خطوات استباقية وطويلة الأمد قائلاً “”بالنسبة لي، هناك سؤال سيظل دائماً معلقاً في الهواء: إن لم نتحدث، فمن الذي سيحدث؟ أكررها دائماً وأبداً: إلى كل القتلى، المسجونين، المختفين… سنفعلها”.
“إن تحدث بعضنا بما فيه الكفاية، فعندئذ نعم، هناك خطوات صغيرة، تدريجية ومناسبة، يمكننا البدء في عكس سياسة حكومتنا بشأن المملكة العربية السعودية”.
الختام
استناداً على ما قدمه فريق الخبراء في الندوة من آراء وأفكار حول الدور البارز لتجارة الأسلحة بين المملكة المتحدة والسعودية في ارتكاب مزيد من انتهاكات حقوق الإنسان، فإن المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا تطالب المملكة المتحدة بالامتناع الفوري عن تزويد المملكة العربية السعودية بأي أسلحة وإيقاف تلك التجارة بينهم.
وتؤكد المنظمة أن نظام محمد بن سلمان هو واحد من أكثر الأنظمة الديكتاتورية وحشية في العالم، وقد ترتب على ممارساتهم اللاإنسانية في اليمن عدد ضخم من الأشخاص المتضررين ما جعل اليمن تشهد واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم.
من الضروري أن نفكر في الدور السلبي للأسلحة البريطانية في دعم الحرب على اليمن بأن تعيد الحكومة البريطانية ومكتب الشؤون الخارجية النظر على الفور في علاقتها مع المملكة العربية السعودية وأن تساعد في اتخاذ إجراءات رسمية عاجلة لإحالة المسؤولين عن تلك الجرائم للمسائلة القانونية الدولية.