أقدمت السلطات الأردنية على اعتقال المعلم والناشط التربوي عبد الرحمن الدويري، بعد اعتراض سيارته في الشارع العام، دون توجيه إشعار قانوني مسبق أو توضيح علني لملابسات القضية، سوى الإشارة إلى ارتباطها بما يُسمى “قضية جرائم إلكترونية”.
ويُعد الدويري المعروف بانتقاداته السلمية لسياسات الدولة في الشأنين التربوي والحقوقي، من الأصوات المجتمعية التي ظلت تدعو لإصلاح حقيقي يراعي كرامة المواطن وحرية التعبير، ويعزز اعتقاله بهذه الطريقة المخاوف المتزايدة بشأن استخدام قانون الجرائم الإلكترونية كأداة لتكميم الأفواه ومحاصرة الخطاب المعارض.
ورغم أن قانون الجرائم الإلكترونية وُضع في الأصل لمواجهة التهديدات الرقمية، إلا أن صيغته الحالية تُستخدم، بحسب عدد من السوابق الحقوقية، في تجريم الآراء والمواقف السياسية والنقد الاجتماعي. فقد أصبح هذا القانون غطاءً قانونياً لمعاقبة الناشطين والمعلمين والصحفيين والمواطنين العاديين الذين يعبرون عن استيائهم من الأوضاع الاقتصادية أو ينتقدون أداء الدولة على وسائل التواصل.
ويُجيز هذا القانون الفضفاض تجريم أي منشور يُفسَّر على أنه “إثارة للفتنة” أو “نشر الكراهية” أو “تهديد للسلم المجتمعي”، ما يمنح السلطات صلاحيات واسعة لاعتقال الأفراد دون معايير واضحة، ودون حماية حقيقية لحرية الرأي.
وشهدت حالات الاعتقال بناءً على هذا القانون تصاعداً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة، بالتزامن مع موجات احتجاجات المعلمين والعمال، والتضييق على الصحافة والمنصات الحرة. ويشير ذلك إلى تراجع مستمر في مؤشرات حرية التعبير وحقوق الإنسان في البلاد، وفق تقارير أممية وحقوقية دولية.
كما أن استهداف شخصيات تربوية مثل الدويري، يُعد مؤشراً خطيراً على توسع نطاق القمع ليشمل من يفترض أنهم في موقع بناء الوعي، لا تهديد النظام، ما يعكس محاولة لإخضاع المجتمع بكافة شرائحه، وخصوصاً تلك التي تمارس تأثيراً أخلاقياً وثقافياً.
إن استمرار مثل هذه الممارسات يُهدد النسيج الوطني ويزيد من فجوة الثقة بين الدولة والمواطن. كما أن استخدام نصوص قانونية فضفاضة لتجريم النقد والمعارضة السلمية يُقوّض أسس دولة القانون، ويُظهر أن ما يُسمى بجرائم إلكترونية ما هو إلا واجهة قانونية للبطش الأمني.
المطلوب اليوم هو مراجعة شاملة لهذا القانون، وضمان ألا يُستخدم إلا في سياق حماية المجتمع من الجرائم الحقيقية، لا لمعاقبة من يُمارس حقه المشروع في التعبير عن رأيه.